الصّلاة من الحائض ومجرد الإمساك في العيدين ومجرّد السّجود عن الحائض والجنب من دون أن يؤتي بواحد من هذه بقصد القربة وبداع قربي ، بل أفتوا بكون فعل الفريضة احتياطا في حقّ الحائض ، ولو كانت حرمة الصّلاة في حقّها ذاتيّة لم يحصل الاحتياط بفعلها ، ومن هنا قيل بأنّ حرمة العبادات تشريعيّة ، فإنّها لو أتي بها بداع قربي مع عدم وجود الامر أو ملاكه فيها حيث أن النّهي يكشف عن ذلك لا تكون إلّا تشريعيا ، فتكون محرمة كذلك.
نقول : نعم لكن الحرمة الذّاتيّة أيضا كاشفة من عدم الأمر وملاكه فيها ، فهي على أىّ حال لا تقع صحيحة ، أمّا في صورة الاتيان بها بداع قربي تشريعا فحرمتها كذلك مستلزمة لفسادها كما عرفت ، وأمّا في صورة الإتيان بها لا بداع قربي أصلا فلعدم وقوعها في الخارج عبادة لأنّ العمل لا يقع عبادة إلّا إذا أتي بداع قربي ، فكيف تقع صحيحة ومسقطة للأمر والقضاء والإعادة إذا أتى بها لا بقصد القربة.
وبما ذكرنا انقدح عدم تمامية البرهان الّذي أقيم على عدم كون حرمة العبادات ذاتيّة ، وهو أنّ ذوات أفعالها أي مجرّدة عن النّهي غير محرمة ، ومعها لا تقع إلّا محرمة تشريعا ، ومع الحرمة التّشريعيّة يستحيل اتّصافها بحرمة أخرى لاستحالة اجتماع المثلين كالضّدين.
توضيح ذلك : إنّ العبادة بالمعنى الاوّل حيث أنّه لا ينفكّ عن الأمر أو ملاكه غير قابلة لتعلّق الحرمة بها أصلا لا ذاتا ولا تشريعا كما عرفت ، وبالمعنى الّذي فسّرناها به قابلة لتعلّق كلّ واحدة منهما بها كما عرفت أيضا ، سلّمنا عدم إمكان حرمتها الذّاتيّة وعدم وقوعها كما هو الاقوى ، لكنّ الحرمة التّشريعيّة لها تكفي في اقتضاء الفساد إذ لا أقلّ من كشفه عن أن الأمر ، ما تعلّق بها وإن شملها دليله