يرجّح جانب النّهي ، ولو لا هذا الفرق بين المقامين لزم الحكم بالصّحة في كليهما كما لا يخفى ، والفرق بين الفرضين أن النّهي عن العبادة في الأوّل على نحو الحقيقة لانطباق العنوان النّهى عليها وجودا فيكون حقيقيّا مولويّا ، كما في سائر المكروهات ، إلّا أنّه فيه لأجل أرجحيّة عنوان التّرك على الفعل مع اشتماله على المصلحة الرّاجحة ، ولذا لا يقتضي الفساد ، وفيها لأجل منقصة ومفسدة في الفعل ولا يقتضي الفساد فيها ، وفي الفرض الثّاني على نحو المسامحة وبالعرض والواسطة لعدم انطباق العنوان المنهي عنه عليها ، بل على ما يلازمها ، فهو متعلّق النّهي حقيقة دونها ، ولأجل الملازمة تعلّق النّهي بها تجوّزا وبالعرض والواسطة ، ويمكن حمل النّهي في كلا الفرضين على الإرشاد إلى ما في التّرك من انطباق عنوان عليه أو على ما يلازمه أقوى وأرجح ممّا في نفس الفعل ، إلّا أنّه على هذا يكون النّهي فيهما على سبيل الحقيقة لا المجاز والمسامحة ، فإنّ اختلاف دواعي الإنشاء لا يوجب تجوّزا في لفظه ، أمرا كان أو نهيا ، لا بمادّته ولا بهيئته حسبما عرفت آنفا في بيان مدلولهما.
وأمّا القسم الثّاني : وهو ما يكون له بدل مع اتّحاد العنوان والجهة فالنّهي فيه يمكن أن يكون لأجل ما تقدّم في القسم الأوّل ، فيكون مولويّا أو إرشاديّا على حذو ما تقدّم فيه ، ويمكن أن يكون لأجل منقصة في متعلّقه بالنّسبة إلى سائر الأفراد قياسها إلى ما في أصل الطّبيعة المأمور بها في حدّ نفسها من المصلحة اللازمة ، فيكون النّهي حينئذ إرشادا ، عليها حيث أنها واجدة تمام ما في أصل الطّبيعة من المصلحة ، بل ربّما يكون لأجل مشخّصاتها أكثر مصلحة منها بخلافه لما فيه من مشخّص يوجب نقصانا فيها لا حزازة ومنقصة فيه ، وإلّا لم يمكن أن يقع صحيحا ، وهذا خلاف الفرض فيكون أقلّ ثوابا ومصلحة منها.