والجوانح فيتعلّق التّكليف حينئذ بالماهيّة بحسب وجودها في الذّهن ، إلّا أنّ محطّ النّظر في المقام هو القسم الأوّل فتعيّن الثّالث ، وهو كون متعلّق التّكليف الماهيّة بحسب وجودها الخارجي.
لا يقال إنّك قلت العناوين خارجة عن متعلّق التّكليف ، فكيف تقول هنا متعلّق التّكليف الماهيّة بحسب وجودها بالخارجي؟ إذ الوجود أمر انتزاعي ، فلم تدخله في متعلّق التّكليف؟
لأنّا نقول : إنّه قد عرفت أنّه لا بدّ في كلّ مورد من تعيين ما هو المقصود ويوافق الغرض ، ولا يمكن ذلك إلّا بتحديده بالمفاهيم الذّهنيّة ، ولو ذكر اللّفظ فإنّما هو أيضا لأجل ذلك ، حيث أنّه بمدلوله يوجب تحديد ما تعلّق الغرض ، فإذا فرض أن ما هو متعلّقه لا حدّ له إلّا هذا المفهوم الانتزاعي أي الوجود ، فلا بدّ في مقام التّكليف من لحاظه ، ضرورة أنّه ما لم يتصوّر متعلّقه بتمام حدّه لا يمكن تعلّق التّكليف والبعث إليه أو الزّجر عنه ، وهذا واضح ، فلا منافات بين قولنا هنا بأن متعلّق التّكليف هو الماهيّة بحسب وجود الخارجي ، وبين قولنا أنّ العناوين خارجة عن متعلّق التّكليف ، ولا فرق فيما ذكرنا بين القول بأصالة الوجود ، بين القول بأصالة الماهيّة ، لأنّ المقصود أنّ التّكليف إنّما تعلّق بما يصدر ويتحقّق في الخارج حقيقة في مقابل ما لا يوجد إلّا في الذّهن من المفهوم الذّهني ، ومن الواضح أنّ هذا لا يتفاوت على القول بأصالة الوجود أو الماهيّة ، ولا فرق أيضا بين القول بتعلّق التّكليف بالطّبيعي أو الفرد حسبما عرفت مرارا من أن التّفاوت بين القولين لا يكاد يحصل إلّا في كون الخصوصيّات الخارجيّة المنضمة إلى الطّبيعة خارجة عن متعلّق التّكليف أو داخله فيه ، فعلى القولين متعلّق الحبّ والبغض كالحسن والقبح العقليين ليس إلّا ما هو