فأقّت الله اللعنة إلى يوم الدين ، فإنه تعالى أخبر عنه حاكيا وأقره عليه ولم ينكره (إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ...) الآية وأخبر عنه بقوله : (إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ) الآية ، فالشيطان جرم النار لو فهمت.
(قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٣٦) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٣٧) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٣٨) قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) (٣٩)
(قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ) فالتزيين الذي جاء به من قوله تعالى (وَعِدْهُمْ) فإنه يتضمنه وقوله (لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) هو عن تخلق من قوله (فَبِما أَغْوَيْتَنِي) ولو لا التكليف ما قرب شيطان إنسانا بإغواء أبدا ، واعلم أن إبليس يستدرج كل طائفة من حيث ما هو الغالب عليها ، فإنه عالم بمواقع المكر والاستدراج ، فيرسل خواطره الشيطانية على العامة بالمحظور فعلا كان أو تركا ، وبالمكروه فعلا كان أو تركا في حق العبّاد من العامة ، ويأتي بالمباح في حق المبتدىء من أهل طريق الله ، ويأتي بالمندوب في حق المتوسطين من أهل الله أصحاب السماع ، ويأتي العارفين بالواجبات ، فلا يزال بهم حتى نووا مع الله فعل أمر ما من الطاعات ، وهو في نفس الأمر عهد يعهده مع الله ، فإذا استوثق منه في ذلك وعزم وما بقي إلا الفعل أقام له عبادة أخرى أفضل منها شرعا ، فيرى العارف أن يقطع زمانه بالأولى ويشرع في الثاني ، فيفرح إبليس حيث جعله ينقض عهد الله بعد ميثاقه والعارف لا خبر له بذلك ، وكل متمكن من أهل الله من ورثة الأنبياء يراها مع كونها حسنة هي خواطر شيطانية.
(إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (٤٠)
وهم الذين أخلصهم الله إليه مما ألقى إليهم العدو وفيهم من نور الحفظ والعصمة.