تخيلوه وتوهموه ، ثم بعد التنزيه يتسلط عليهم سلطان الوهم والخيال فيحكم عليه بالتقدير ، وهو قوله تعالى : (إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ) وهو رجوعهم إلى ما أعطاهم العقل بالبرهان الصحيح من التنزيه عن ذلك ، فالقوة المذكرة من خاصيتها أن تعمي إبليس عن ملاحظة كيده في الحال وتدهشه ، فلا يلحق يرجع إليه بصره إلا والمؤمن على إحدى حالتين إما في غفلة فيمسه مرة أخرى ، وإما في حضور فيحترق إن دنا منه ، واعلم أن الأنبياء والرسل ما لهم إلا ثلاثة خواطر ، وهي الخاطر الإلهي والخاطر الملكي والخاطر النفسي ، فهم معصومون من الشيطان وخواطره ، ليميز الله رسله وأنبياءه من سائر المؤمنين بالعصمة التي أعطاهم وألبسهم إياها ، والمؤمنون لهم الخواطر الأربعة ، فمنهم من ظهر عليه حكم الخاطر الشيطاني في الظاهر ، وهم عامة الخلق ، ومنهم من يخطر له ولا يؤثر في ظاهره ، وهم المحفوظون من أولياء الله تعالى ، فالشيطان يلقي في قلوب الأولياء وليس له على الأنبياء سبيل.
(وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (٢٠٢) وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٢٠٣) وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (٢٠٤)
روينا أن هذه الآية نزلت في القراءة في الصلاة ، ففي الصلاة يقرأ المأموم أم الكتاب وغيرها مع الإمام فيما أسر ، وفيما جهر أم الكتاب فقط ، والذي أذهب إليه بعد وجوب قراءة الفاتحة على كل مصل من إمام وغير إمام ، أنه إن قرأ في نفسه كان أفضل ، إلا أن يكون بحيث يسمع الإمام ، فالإنصات والاستماع لقراءة الإمام واجب لأمر الله الوارد في هذه الآية ، وما خص حال صلاة من غيرها ، والقرآن مقطوع به عند الجميع ، وليس للمأموم أن يشرع في قراءة الفاتحة إذا جهر بها الإمام حتى يفرغ منها ، أو يتبع سكتات الإمام فيها فيقرأ ما فرغ الإمام منها في سكتة الإمام ، وفي صلاة السر يقرأها بحسب ما يغلب على ظنه ،