بأنه ليس بحسن ـ الوجه الثاني ـ هم يميلون عن أسمائه ، لا بل يميلون في أسمائه إلى غير الوجه الذي قصد بها ، ثم قال : (سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) من ذلك ، فكل يجزى بما مال إليه ـ إشارة ـ من حكمة الله في وحدانيته سبحانه أن جعل له أسماء كثيرة ندعوه بها في عموم أحوالنا ، فننتقل من اسم إلى اسم ، لتتنوع علينا الأدعية والأذكار ، مع أحدية المدعو والمذكور ، كل ذلك للملل الذي في جبلتنا ، فسبحان اللطيف بعباده ، وهذا من خفايا ألطافه التي لا يعرفها إلا القليل من عباده.
(وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (١٨١) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) (١٨٢)
ما سمى الله المكر استدراجا إلا لتنقله في المراتب من درج إلى درج ، فإنه بانتقاله يعمّ المقامات والمراتب ، وهو بين محمود ومذموم ، ولو لا ذلك ما وصف الله نفسه بالمكر والاستدراج ، وأخفى الله الاستدراج فيمن أشقاه الله ، فهم كما قال تعالى فيهم : (وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً).
(وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) (١٨٣)
وهي تحف الله مع المخالفات ، فهو مكر واستدراج من حيث لا يعلم.
(أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ) (١٨٤)
(أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ) أي أنه يوصل إلى معرفة الرسول بالدليل ، وبهذه الآية يستدل على أنه لا بد من أن ينصب الله تعالى على يد هذا الرسول دليلا يصدقه في دعواه ، ولو لم يكن كذلك ما صدق قوله : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا) ولا تكون الفكرة إلا في دليل على صدقه أنه رسول من عند الله.