(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) (٦٧)
ـ الوجه الأول ـ لما كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم المنزل عليه القرآن مأمورا بتبليغه إلى المكلفين وتبيينه للناس ما نزل إليهم ، ومن الأشياء ما هي مشهودة لهم وغائبة عنهم ، ولم يؤمر أن يحرف الكلم عن مواضعه بل يحكي عن الله كما حكى الله له قول القائلين ، وقولهم يتضمن الغيبة والحضور ، فما زاد على ما قالوه في حكايته عنهم وقيل له صلىاللهعليهوسلم : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) فلم يعدل عن صورة ما أنزل إليه فقال ما قيل له ، فإنه ما نزلت المعاني على قلبه من غير تركيب هذه الحروف وترتيب هذه الكلمات ونظم هذه الآيات وإنشاء هذه السور المسمى هذا كله قرآنا ، فلما أقام الله نشأة القرآن صورة في نفسها ، أظهرها صلىاللهعليهوسلم كما شاهدها ، فأبصرتها الأبصار في المصاحف ، وسمعتها الآذان من التالين ، وليس غير كلام الله هذا المسموع والمبصر ، وألحق الذم بمن حرّفه بعد ما عقله وهو يعلم أنه كلام الله ، فأبقى صورته كما أنزلت عليه ، فلو بدل من ذلك شيئا وغير النشأة لبلغ إلينا صورة فهم لا صورة ما أنزل عليه ، فإنه لكل عين من الناس المنزل إليهم هذا القرآن نظر فيه ، فلو نقله إلينا على معنى ما فهم ، لما كان قرآنا أعني القرآن الذي أنزل عليه ، فإن فرضنا أنه قد علم جميع معانيه بحيث أنه لم يشذ عنه شيء من معانيه قلنا : فإن علم ذلك وهذه الكلمات تدل على جميع تلك المعاني فلأي شيء يعدل؟ وإن عدل إلى كلمات تساويها في جميع تلك المعاني فلا بد لتلك الكلمات التي يعدل إليها من حيث ما هي أعيان وجودية ، أعيان غير هذه الأعيان التي عدل عنها التي أنزلت عليه ، فلا بد أن تخالفها بما تعطيه من الزيادة من حيث أعيانها على ما جمعته من المعاني التي جمعتها الكلمات المنزلة ، فيزيد للناظر في القرآن معاني أعيان تلك الكلمات المعدول إليها ، كما أيضا ينقص مما أنزل الله أعيان تلك الكلمات التي عدل عنها ، فكأن الرسول قد نقص في تبليغ ما أنزل إليه أعيان تلك الكلمات وحاشاه من ذلك ، فلم يكن ينبغي له إلا أن يبلغ إلى الناس ما نزل إليهم صورة مكملة من حيث الظاهر حروفها اللفظية والرقمية ، ومن حيث الباطن معانيها ، فالرسول مبلغ ما قيل له قل ، ولو كان مبلغا ما عنده ، أو ما يجده من العلم في نفسه ، لم يكن رسولا ، ولكان