(١١٥) وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (١١٦) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (١١٧)
فإن العلم إنما يتعلق بالمعلوم على ما هو المعلوم عليه ، لذلك كانت وظيفة الرسل والورثة من العلماء إنما هي التبليغ بالبيان والإفصاح لا غير ذلك.
(فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ (١١٨) وَما لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ) (١١٩)
اعلم أن تغير الأحوال يغير الأحكام ، فالشخص الواحد الذي لم يكن حاله الاضطرار ، أكل الميتة عليه حرام ، فإذا اضطر ذلك الشخص عينه فأكل الميتة له حلال ، فاختلف الحكم لاختلاف الحال ، والعين واحدة. ومن هذه الآية علمنا أن الحكم بالمنع وغيره مبناه على حال المكلّف ، فإن المنع في حق من منع منه لا في عين الممنوع ، فإن ذلك الممنوع بعينه قد أبيح لغيره ، لكون ذلك الغير على صفة ليست فيمن منع منه ، أباحته تلك الصفة بإباحة الشارع ، فلهذا قلنا : لا في عين الممنوع ، فإنه ما حرم شيء لعينه جملة واحدة ، وفي مواضع على اسم الممنوع ، فإن تغير الاسم لتغير قام بالمحرم تغير الحكم على المكلف في تناوله ، إما بجهة الإباحة أو الوجوب ، وكذلك إن تغير حال المكلف الذي خوطب بالمنع من ذلك الشيء واجتنابه لأجل تلك الحال ، فإنه يرتفع عنه هذا الحكم ولابد ، وإن كان الأمر على هذا الحد ، فما ثمّ عين محرمة لعينها ، وعلق الذم بفعل المكلف لا بالعين التي حجر عليه تناولها ، فقال : (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) فإن المضطر لا تحجير عليه ، وقوله : (إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) هو الرزق الذي به بقاء الحياة ، وما به حياتك لا يصح فيه تحجير.