فالمسكين من سكن تحت مجاري الأقدار ، ونظر إلى ما يأتي به حكم الله في الليل والنهار ، واطمأن بما أجرى الله به وعليه ، وعلم أن لا ملجأ من الله إلا إليه ، وأنه الفعال لما يريد ، وتحقق بأن قسمه من الله ما هو عليه في الحال ، فجعل الله له حظا في المغنم وإن لم يكن له فيه تعمل ، فخدمه غيره ، ونال هو الراحة بما أوصل الله إليه من ذلك مما جهد فيه الغير وتعب ، والخمس الخامس لابن السبيل ، وهو قوله تعالى : (وَابْنِ السَّبِيلِ) فهو المسافر ، والمسافر لا بد له من زاد ، فجعل الله له نصيبا من المغنم ، فالحق يغذيه بما ليس له فيه تعمل ، وقد يكون ابن السبيل في هذه الآية عين المجاهد ، ويكون السبيل من أجل الألف واللام اللتين للعهد والتعريف سبيل الله ، التي قال الله فيها : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) يعنى الشهداء الذين قتلوا في الجهاد ، فيكون أيضا حظ المجاهد من المغنم القدر الذي عيّن الله لابن السبيل ، وهو معروف سوى ما له في الصدقات ، فإن غلب على ظن الإمام أن المذكورين في قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ) الآية ، والتي في سورة الحشر التي فيها ذكر الأصناف ، حظهم من المغنم الخمس خاصة ، يقسم فيهم هكذا ، وما بقي فلبيت مال المسلمين يتصرف فيه الإمام بما يراه ، فإن شاء أعطاه المجاهدين على ما يريده من العدل والسواء في القسمة ، أو بالمفاضلة ، وإن غلب على ظن الإمام أن الخمس الأصلي لله وحده وما بقي فلمن سمى الله تعالى ، وقد جعل الله للمجاهدين في سبيل الله نصيبا في الصدقات وما جعل لهم في المغنم إلا ما نفله به الإمام قبل القسمة أو ما أعطاه بقوله : من قتل قتيلا فله سلبه ، وقد ورد عن بعض العلماء وأظنه ابن أبي ليلى أن الحظ الذي هو الخمس في الأصل كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقبضه ويخرجه للكعبة ويقول : هذا لله ، ثم يقسم ما بقي.
(إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٤٢)
(إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا) يريد القريبة (وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى) يعني البعيدة ـ من باب الإشارة لا التفسير ـ (إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ) أي ما