إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (١١٧)
(لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ) قد لا تكون التوبة من ذنب ، بل يرجع إلى الله في كل حال في كل طاعة ، فيرجع بالتائب إلى ربه من طاعة إلى طاعة ؛ (وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ) قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إني لأجد نفس الرحمن يأتيني من قبل اليمن ، فنفس الله عنه بالأنصار ، فكانت الأنصار كلمات الله ، نصر الله بهم دينه وأظهره.
(وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (١١٨)
(وَظَنُّوا) أي علموا وتيقنوا ، قال أهل اللسان في ذلك ، فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج ، أي تيقنوا واعلموا ، فإن الظن لما كانت مرتبته برزخية ، لها وجه إلى العلم ونقيضه ، ثم دلت قرائن الأحوال على وجه العلم فيه ، حكمنا عليه بحكم العلم ، وأنزلناه منزلة اليقين ، مع بقاء اسم الظن عليه لا حكمه ، فإن الظن لا يكون إلا بنوع من الترجيح يتميز به عن الشك ، فإن الشك لا ترجيح فيه ، والظن فيه نوع من الترجيح إلى جانب العلم : (أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا) اعلم أن توبة الله ابتداء مقرونة بعلى ، وتوبة الخلق مقرونة بإلى ، لأنه المطلوب بالتوبة ، فهو غايتها ، فرجوع الحق عليهم رجوع عناية محبة أزلية ليتوبوا ، فإذا تابوا أحبهم حب من رجع إليه ، فهو حب جزاء. قال تعالى : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) فهذا الحب ما هو الأول ، وللعبد حب آخر زائد على قوله : (وَيُحِبُّونَهُ) فالأول حب عناية منه ابتداء ، فالتوبة عن محبة منتجة لمحبة أخرى منه ، فهي بين محبتين متعلقتين بهم من الله ، وتاب عليهم فكان هو التائب على الحقيقة ، والعبد محل ظهور الصفة ، فكانت رجعته عليهم في الدنيا ردهم بها إليه ، ولذلك قال : (لِيَتُوبُوا) فما رجع إليهم إلا ليرجعوا ، وكل معلل علّه الحق فإنه واقع ، كما أنه كل ترج من الله واقع ،