وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٤٤)
(وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) وهم الذين سخروا ـ إشارة ـ (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ) فارتفعت الأنواء (وَقُضِيَ الْأَمْرُ) وظهر في النجاة السر (وَاسْتَوَتْ) سفينة نوح عند ما أقلعت السماء وأشرقت يوح (عَلَى الْجُودِيِّ) على جودي الجود ، لتتم كلمة الوجود بوالد ومولود إلى اليوم الموعود ، فإنه لو انقطع الأصل ، لانقطع النسل (وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ). ـ إشارة ـ من اعتصم بغير الحق هلك ، ولم تنفعه شفاعة الشافعين ، قال العمل غير الصالح (سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ) فأصبح من المغرقين ، ثم جاء النداء من الغيب من الهواء فإنه لم يذكر المنادي نفسه فيه وجاء بالقول دون النداء للقرب (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي) فبلعت الأرض ماءها وأقلعت السماء (وَغِيضَ الْماءُ) وانتقص الماء (وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ) سفينة النجاة (عَلَى الْجُودِيِّ) إشارة إلى الجود الإلهي.
(وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ) (٤٥)
(وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ) بفصل قضائه.
(قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) (٤٦)
فعلّمه سبحانه الأدب ، وأن من الأدب أن لا تسأل عن علم ما لا يعلم ، فإذا علم فإن كان من أهل الشفاعة والسؤال فيه ، سأل فيه وإن لم يكن لم يسأل فيه ، ولكن غلبت عليه رحمة الأبوة ، وهي شفقة طبيعية عنصرية فصرفها في غير موطنها ، فأعلمه الله أن ذلك من صفات الجاهلين ، وفي هذه الآية تعليم لنا وأدب إلهي في مخاطبة الشيوخ ، قال تعالى لنوح عليهالسلام : (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) وكان قد شاخ وحصل في العمر