(رَحْمَتُ اللهِ) أضيفت الرحمة إلى الله لشمولها الامتنان والوجوب (وَبَرَكاتُهُ) والبركات هي الزيادة (عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) المجد هو الشرف ، وأعظم المجد هو ما اعترف به العبد لربه بأن شهد له بأنه الملك يوم الدين ، فله المجد والشرف على العالم في الدنيا والآخرة ، لأنه يجازي العالم على أعمالهم في الدنيا والآخرة ، فقد ورد أن المصلي إذا قال (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) يقول الحق مجدني عبدي ، أي جعل لي الشرف عليه كما هو الأمر في نفسه.
(فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ (٧٤) إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ) (٧٥)
الحلم هو ترك الأخذ بالجريمة في الحال مع القدرة ، فالحليم لا يعجل مع القدرة وارتفاع المانع ، ووصف الحق إبراهيم عليهالسلام بالتأوه مما يجده في صدره من رده ، فتأوه لما رأى من عبادة قومه ما نحتوه ، وحلم فلم يعجل بأخذهم على ذلك مع قدرته عليهم بالدعاء عليهم ، ولهذا سمي حليما فلو لم يقدر ولا مكّنه الله من أخذهم ، ما سماه سبحانه حليما ولكنه عليهالسلام علم أنه في دار الامتزاج والتحول من حال إلى حال ، فكان يرجو لهم الإيمان فيما بعد ، فهذا سبب حلمه ، ولو علم من قومه ما علم نوح عليهالسلام حيث قال : (وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً) ما حلم عليهم ، فالأواه هو الذي يكثر التأوه لبلواه ، ولما يقاسيه ويعانيه مما يشاهده ويراه ، وهو من باب الغيرة والحيرة (مُنِيبٌ) المنيبون هم الذين رجعوا إلى الله من كل شيء أمرهم الله بالرجوع عنه ، مع شهودهم في حالهم أنهم نواب عن الله في رجوعهم ، إذ كانت نواصي الخلق بيده ، يصرفهم كيف يشاء ، فمن شاهد نفسه في إنابته إلى ربه نائبا عن الله ، كما ينوب المصلي عن الله في قوله : سمع الله لمن حمده ، وفي تلاوته ، كذلك رجوعه إلى الله في كل حال ، يسمى منيبا ، فلهم خصوص هذا الوصف.
(يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ