الله في خبره عمن ذكر ، فإنه من أهل الأرض بجسده ومن أهل السموات بعقله ، فيسجد لربه طوعا وكرها ، من تقييده بجهة خاصة لا يقتضيها علمه ، وإن كان ساجدا في نفس الأمر سجودا ذاتيا وإن لم يشعر بذلك ، فيوقعها عبادة ، فإن ذلك أنجى له. وذكر (بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) لامتداد الظلال في هذه الأوقات ، فجعل امتدادها سجودا ، فهي في الغدو تتقلص رجوعا إلى أصلها الذي منه انبعثت ، وفي الآصال تمتد وتطول بالزيادات ، والغدو والآصال من الأوقات المنهي عن الصلاة فيها ، فأخرج حكم السجود في هذه الأوقات عن حكم النافلة ، وجعل حكمه حكم الفرائض ، أو المقضي من النوافل ، فتعيّن على التالي في هذه الآية السجود ، فيجازى من باب من صدّق ربه تعالى في خبره ، فهي سجدة تصديق بتحقيق ـ نكتة ـ أنفت الظلال من السجود للشمس لما هي عليه من شرف النفس ، فاستدبرتها في هذه الأوقات ، وامتدت ساجدة لمن بيده ملكوت الأرض والسموات ، حين سجد لها من يزعم أنه من أهل التمكين ، وتعبدت من يدعي العقل الرصين ، ألا ترى تبعية ظلال الأشخاص لها ، ما أحسنها وما أكملها ، ولقد أخبر سبحانه عن الظلال أنها تسجد له بالغدو والآصال ، فمن أولى بهذه الصفة في علمك؟ أنت أم الظلال التي هي جماد في زعمك؟! هيهات ، لشغلك بالترهات.
(قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) (١٦)
كما لا تستوي الظلمات ولا النور ، كذلك لا يستوي الأعمى وهو الذي لا يفهم فيعلم ولا البصير الذي يفهم فيعلم (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ ، قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) فما في الوجود إلا الله ونحن ، وإن كنا موجودين فإنما كان وجودنا به ، ومن كان وجوده بغيره فهو في حكم العدم ، لأن العالم من حيث ذاته عدم ،