في القيامة بأنعم أهل الدنيا فيغمس في النار غمسة فيقال له : «هل رأيت نعيما قط؟ فيقول : لا والله ، ومعلوم أنه رأى نعيما ولكن حجبه شاهد الحال عن ذلك النعيم فينسيه ، وكذلك صاحب البؤس إذا غمس في الجنة غمسة يقال له : هل رأيت بؤسا قط؟ فيقول : لا والله ما رأيت بؤسا قط ، فكذلك لو ردوا لكانوا بحسب النشأة والحال التي يردون فيها ـ تحقيق ـ (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا) أعمى الله أبصارهم ، فمن كتبه الله شقيا لا يسعد ، ومن كتبه سعيدا لا يشقى ولا يبعد.
(وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) (٢٩)
لو لا حشر الأجسام في الآخرة ، لقامت بنفوس الزهاد والعارفين في الآخرة حسرة الفوت ، ولتعذبوا لو كان الاقتصار على الجنات المعنوية لا الحسية ، فخلق الله في الآخرة جنة حسية ، وجنة معنوية وأباح لهم في الجنة الحسية ما تشتهي أنفسهم ، ورفع عنهم ألم الحاجات ، فشهواتهم كالإرادة من الحق ، إذا تعلقت بالمراد تكون ، فما أكل أهل السعادة لدفع ألم الجوع ، ولا شربوا لدفع ألم العطش ، فلهم الجنة الحسية لأجسامهم الطبيعية ، وهم وغير العارفين في هذه الصورة الحسية على السواء ويفوز العارفون بما يزيدون عليهم بجنات المعاني.
(وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ قالَ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٠) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ) (٣١)
ـ نصيحة ـ ما أثقل الظهر ، سوى الوزر ، فلا تضف إلى أثقالك أثقالا ، وكن لرحى ما يراد منك ثقالا ، احذر من الابتداع بسبب الاتباع ، ولا تفرح بالأتباع ، وكن مثل