فأعلم سبحانه الإنسان أنه يرزقه ولا بد سواء كان كافرا أو مؤمنا لكونه حيوانا ، ولكن ما قال له : متى ولا من أين؟ فما عيّن الزمان ولا السبب ، بل أعلمه أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها ، لذلك اضطرب من اضطرب لبشريته وإحساسه بألم الفقد وعدم الصبر ، فإنه ما يدري عند فقد السبب المعتاد لحصول الرزق وعند وجوده ، هل فرغ وجاء أجله أم لا ، فيكون فزعه واضطرابه من الموت ، وإن كان لم يفرغ رزقه في علم الله ، فيكون اضطرابه لجهله بوقت حصول الرزق بانقطاع السبب ، لأنه علم أنّ الله بحكمته ربط المسببات بالأسباب ، فيخاف من طول المدة وألم الجوع المتوقع ، وهذا كله لضعف نفسه واضطراب إيمانه وركونه إلى الأسباب والاعتماد عليها ، كما يضطرب في صدق وعده تبارك وتعالى في الرزق مع قسمه سبحانه عليه لعباده فقال : (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ).
(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ) (٧)
قال تعالى : (وَكانَ عَرْشُهُ) هذا العرش عرش الهوية ، فإنه تعالى أضافه إلى الهوية وهو عرش الحياة ، فأظهر الحياة فيكم ، ففلك الحياة اسم الأسماء ومقدمها وبه كانت (عَلَى الْماءِ) ـ الوجه الأول ـ على هنا بمعنى في ، أي : كان العرش في الماء كما أن الإنسان في الماء أي منه تكون ، فإن الماء أصل الموجودات كلها ، وهو عرش الحياة الإلهية ، ومن الماء خلق الله كل شيء حي ، وكل ما سوى الله حي ، فإن كل ما سوى الله مسبح بحمد الله ، ولا يكون التسبيح إلا من حي ، فالعرش هنا عبارة عن الملك ، وكان حرف وجودي فمعناه أن الملك موجود في الماء ، أي الماء أصل ظهور عينه ، فهو للملك كالهيولى ظهر فيه صور العالم الذي هو ملك الله ـ الوجه الثاني ـ كان أول اسم كتبه القلم الأسمى في اللوح المحفوظ المصون دون غيره من الأسماء إني أريد أن أخلق من أجلك يا محمد العالم الذي هو ملكك ،