أخص من الأنواع لا مطابقة لها. وقد عده الإمام السيوطى فى كيفيات الوحى ـ وكذا الحافظ فى «الفتح» عدّه فى فنون الوحى الذى يأتى بحامل ، وذكرا أنه يحتمل أن يرجع إلى إحدى الحالتين (أى الصلصلة وتمثل الملك رجلا). ولا يخفى أن التعبير بالاحتمال ونحوه لا يحصل النفث فيهما ، بل يحتمل أن يكون فى حالة ثالثة مغايرة للحالتين.
وقد صرح الحافظ ابن حجر بأن للوحى حالات مغايرة لها ، وهى : إما من صفة الوحى ، كمجيئه كدويّ النحل ، والنفث فى الروع ، والإلهام ، والرؤيا الصالحة ، والتكليم ليلة الإسراء بلا واسطة. وإما من صفة حامل الوحى كمجيئه فى صورته التى خلقه الله عليها له ستمائة جناح ، ورؤيته على كرسى بين السماء والأرض ، وقد سدّ الأفق. (٥٢)
الوحى القرآنى :
أما عن (الوحى القرآنى) بخصوصه ، فإن له خصائص فى نوعيته وكيفية تلقيه والحالة التى يتنزل بها على النبى صلىاللهعليهوسلم.
فالخصيصة الأولى : أن جميع القرآن قد تلقاه النبى صلىاللهعليهوسلم فى اليقظة ، ولم يكن شىء منه فى المنام ـ على وجه الاستقلال ـ على القول الراجح والمعتمد لدى أساطين علماء التنزيل.
ولئن ذهب قوم إلى أن بعض الوحى القرآنى كان مناميا احتجاجا بما رواه مسلم عن سيدنا أنس أنه قال : «بينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم بين أظهرنا ، إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه مبتسما فقلنا : ما أضحكك يا رسول الله؟
فقال : أنزل علىّ آنفا سورة ، فقرأ : «بسم الله الرحمن الرحيم. (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣))».
فإن هذا مردود عليه : بما نقله الإمام السيوطى (٥٣) عن الإمام الرافعى فى «أماليه» إذ قال : فهم فاهمون من الحديث أن السورة نزلت فى تلك الإغفاءة ، وقالوا : من الوحى ما كان يأتيه فى النوم ؛ لأن رؤيا الأنبياء وحى.
قال : وهذا (أى أن رؤيا الأنبياء وحى) صحيح ، لكن الأشبه أن يقال : إن القرآن كله نزل فى اليقظة ، وكأنه خطر له فى النوم سورة الكوثر المنزلة فى اليقظة ، أو عرض عليه الكوثر الذى نزلت فيه السورة ، فقرأها عليهم وفسّرها لهم.
ثم قال : وورد فى بعض الروايات أنه أغمى عليه ، وقد يحمل ذلك على الحالة التى كانت تعتريه عند نزول الوحى ، ويقال لها برحاء الوحى. انتهى.
(ثم عقّب الإمام السيوطى بقوله) : قلت :
الذى قاله الرافعى فى غاية الاتجاه ، وهو الذى كنت أميل إليه قبل الوقوف عليه ،