لحالهم واطمئنانا لمعاشهم ، وفى هذا البيت يلوذ الخائف ويأمن المطارد ويربح التاجر ، وكذلك جعل الله الشهر الحرام ـ وهو شهر ذى الحجة وتلحق به ثلاثة شهور أخرى ـ حرمة وأمنا وهى ذو القعدة والمحرم ورجب ، يقول الله سبحانه وتعالى : (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٩٧) اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٠).
ومرة أخرى يزيد الله بيته تكريما ، وهو دعاء يدعو به المسلم أول ما يقع بصره على الكعبة ، فيدعوا الله كما كان يدعوه رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اللهم زد بيتك هذا تعظيما وإجلالا وتكريما».
يقول الله عزوجل : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (١٢٥) وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (١١).
فى الآية السابقة يذكر المولى ـ سبحانه ـ أنه ـ تكريما لإبراهيم وإسماعيل ـ أمرهما بتطهير بيته ـ جل وعلا ـ من الأصنام والأوثان حتى تقر أعين الطائفين حول البيت والمعتكفين فيه والراكعين والساجدين من أن تقع على علامات الشرك وذرائع الكفر ، ثم تكون بعد ذلك منة ما يعرف عند المسلمين بدعوة إبراهيم التى سأل فيها رب العزة قائلا : (رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) تلك الدعوة التى استجاب الله لها ، وهذه الاستجابة ماثلة إلى يومنا هذا وإلى يوم تقوم الساعة ، واستجابة المولى لدعوة إبراهيم هذه من المنن العظمى لأن هذا البلد ـ مكة ـ آمن إلى يوم الدين ، وأهله مرزوقون رزقا موسعا بإذنه تعالى إلى يوم الدين.
وتتجلى عظمة الخالق وفيض كرمه بألا يقف أثر دعوة إبراهيم على من آمن منهم بالله واليوم الآخر ، بل يقول رب العزة : (وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً) أى فى الدنيا ، لأن هؤلاء الكافرين يسرى عليهم كرم الله لأنهم يعيشون فى كنف بيته الآمن ، ولأنه تعالى يرزق المؤمن والكافر فى الدنيا فهو الرزاق الكريم ، فإذا ما حلت الآخرة كان جزاء الكافرين متكافئا مع كفرهم ، أما المؤمنون فجزاؤهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا.