والروايات التى تزعم أن بعض البشر حاول معارضة القرآن ، تدل إن صدقت ـ على هذا الإعجاز ؛ وإن كنت أرى أن البليغ الممتاز ممن عزيت إليه هذه المعارضة أعقل وأحصف من أن يتورط فى شىء لا يقوم له ، فما قيل فى هذا المجال موضع توهين.
٢ ـ أوّل من نفى الإعجاز عن القرآن :
لا يعرف على وجه التحديد أوّل من ذهب إلى أن القرآن الكريم غير معجز ، وقد قال الأستاذ مصطفى صادق الرافعى فى كتابه إعجاز القرآن (٢) إنّ أول من ذهب إلى ذلك هو الجعد بن درهم ، يقول الرافعى :
«هو مؤدب مروان بن محمد آخر خلفاء بنى أمية ، وكان زنديقا فاحش الرأى واللسان ، وهو أول من صرح بالإنكار على القرآن والرد عليه ، وجحد أشياء مما فيه ، وأضاف إلى القول بخلقه أن فصاحته غير معجزة وأن الناس يقدرون على مثلها ، وعلى أحسن منها ، ولم يقل بذلك أحد قبله ، ولا فشت المقالة بخلق القرآن إلّا من بعده».
وكتب الكلام التى دوّنت آراء الجعد ، تحدثت عن قوله بخلق القرآن ، وعن قوله بالتعطيل ، وقوله بالقدر ، ولكنها لم تتحدث عن إنكاره للإعجاز ، فإذا كان الرافعى قد قرأ عن جعد ما لم نقرأه ، فكان عليه أن يذكر مصدره ، ومهما يكن من شىء فإن القول بخلق القرآن فى هذا الزمن المتقدم ـ فى العصر الأموى ـ جرّأ الملاحدة والزنادقة ممن دخلوا فى الإسلام ظاهريّا دون أن تطمئن قلوبهم إلى نوره ؛ جرّأهم على الحديث المتسرّع عن كتاب الله ؛ ومنه ما قالوه عن عدم الإعجاز ، وقد دعت حرية الجدل فى مطلع العهد العباسى هذا النفر إلى الافتراء بغير العلم ، فراج حديثهم عن عدم الإعجاز ، واضطر المدافعون عن دين الله أن يواجهوا الباطل بما يدحضه ، فبدأ الحديث عن الإعجاز ، وتنوّع القول فى بيان خصائصه. وفى هؤلاء المدافعين من تورط فى حديث فهم على غير وجهه ، وأعنى به حديث الإعجاز بالصرفة ، وهو مما يحسن أن نقف لديه.
٣ ـ القول بالصرفة :
ينسب القول بالصرفة فى تفسير الإعجاز القرآنى لأبى إسحاق النظام ، وهو قول لم يدونه النظام فى كتاب ، ولو لا أن الجاحظ رواه عنه ما اشتهر وما ذاع ، وفحواه أن العرب قد انصرفوا عن معارضة القرآن ، وهذا الانصراف دليل الإعجاز ، ويوحى هذا القول بأنهم لو اتجهوا إلى معارضته لجاءوا بمثله ؛ كما أن تمام الرأى عند النظام أنه قال إن الإعجاز إنما جاء من الإخبار عن الأمور