الذى نزل بحكم ما على سبب خاص لا خلاف فى تعميم حكمه على كل الحالات التى يتناولها ، من أفراد السبب وغيرها ، لكن الخلاف فى كيفية استفادة الحكم بالنسبة لأفراد غير السبب (٥٥) : فالجمهور يرى أن استفادة الحكم فيها بطريق النص كما فى أفراد السبب ، أما غيرهم فيرون أن الحكم فى صورة غير السبب يكون بطريق القياس وليس بالنص ، بمعنى أنهم لا يقولون بامتناع ثبوت الحكم فى غير صورة السبب مما هو من نوعه بل يقولون بتعديته إليه بطريق القياس ، أما أدلتهم فهى كما يلى :
أولا : أدلة الجمهور :
(أ) أن المعوّل فى الاحتجاج على لفظ الشارع وحده ـ أى النص القرآنى ـ لا على السؤال أو السبب الذى نزلت الآيات فى شأنه ؛ لهذا نرى أن اللفظ القرآنى فى بعض الأحوال قد يعدل بالجواب عن سنن السؤال وذلك لحكمة وفائدة فى مجال التوجيه والتربية ، كأن يرد السؤال عن شىء بذاته ، فيوجه الجواب السائل إلى شىء آخر هو أولى بالاهتمام وهو الذى كان من المفروض أن تتحرّى معرفته ، وذلك كما فى قول الله سبحانه : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) البقرة / ٢١٥.
فالسؤال فى الآية قد توخى معرفة ما ينبغى أن ينفق ، والجواب توخى الإعلام بالجهات التى ينبغى أن توجه إليها النفقة لأنه أنسب فى هذا الموضع.
(ب) أن اللفظ القرآنى عام فيجب بقاؤه على عمومه ، لأن الأصل فى الألفاظ حملها على معانيها الأصلية المتبادرة ، ولا يجوز صرف اللفظ عن معناه الذى وضع له إلا لقرينة تمنع بقاءه على هذا الأصل ، وكون اللفظ القرآنى قد نزل على سبب خاص ، فذلك ليس قرينة على التخصيص ، لأنه لا مانع أن يكون السبب الخاص وسيلة لبيان حكمه ، وحكم كل ما هو على شاكلته ، بل إن العدول ـ فى ذاته ـ عن ربط الحكم بالخاص إلى ربطه بالعام دليل على قصد العموم.
(ج) أن الصحابة ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ ومن بعدهم قد تمسكوا ـ فيما نزل على أسباب خاصة ـ بما أفادته ألفاظ القرآن النازل من العموم ، واحتجوا بذلك على وقائع لم تكن أسبابا لنزول الآيات ، بل شابهتها ، وذلك من غير حاجة إلى دليل آخر كالقياس ونحوه.
فنراهم قد استدلوا على حكم الظهار ، وما