عن أنس بن مالك رضي الله عنه : «أن اليهود كانت إذا حاضت منهم امرأة أخرجوها من البيت ، ولم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوهن فى البيوت ، فسئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن ذلك فأنزل الله سبحانه وتعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ) إلى آخر الآية ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «جامعوهن فى البيوت ، واصنعوا كل شىء غير النكاح» (١٦).
وفى مقابل هذه الدلالة الصريحة على سببية النزول هناك من العبارات ما هو صريح فى التفسير ، لا يحتمل السببية بوجه ، كأن يقول الصحابى مثلا : المراد من هذه الآية كذا ، أو تدل هذه الآية على كذا ، أو يؤخذ منها كذا.
فهذه العبارات وأمثالها غير صريحة فى السببية.
مثال ذلك ، ما أورده ابن كثير رحمهالله تعالى عن ابن عباس رضى الله عنهما فى تفسير قول الله تعالى : (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) السجدة / ٢١.
قال : «قال ابن عباس : يعنى بالعذاب الأدنى مصائب الدنيا وآفاتها وأسقامها ، وما يحل بأهلها مما يبتلى الله به عباده ليتوبوا إليه .. وفى رواية عنه : يعنى إقامة الحدود عليهم» (١٧).
الصيغة الثانية :
هى التى تكون العبارة فيها محتملة ، فتصلح لأن يراد بها سبب النزول ، كما تصلح أن يراد بها التفسير ، كأن يقول الصحابى رضي الله عنه : «نزلت هذه الآية فى كذا» لكن لا ينبغى أن يفهم احتمال هذه العبارة للأمرين معا دفعة واحدة فى الموضع الواحد ، بل المراد أنها إما أن يراد بها سبب النزول ، أو يراد بها التفسير ، فتارة يراد منها السبب ، وتارة يراد منها بيان ما تشتمل عليه الآية ، وعندئذ يتوقف فهم المراد منها على دليل أو قرينة توضح هذا المراد.
قال ابن تيمية رحمهالله تعالى : «قولهم :
نزلت هذه الآية فى كذا. يراد به تارة سبب النزول ، ويراد به تارة أن ذلك داخل فى الآية وإن لم يكن السبب ، كما تقول : عنى بهذه الآية كذا ، وقد تنازع العلماء فى قول الصحابى :
نزلت هذه الآية فى كذا ، هل يجرى مجرى المسند ، كما لو ذكر السبب الذى أنزلت من أجله ، أو يجرى مجرى التفسير منه الذى ليس بمسند؟ فالبخارى رحمهالله يدخله فى المسند ، وغيره لا يدخله فى المسند ، وأكثر المسانيد على هذا الاصطلاح كمسند أحمد وغيره ، بخلاف ما إذا ذكر سببا نزلت عقبه فإنهم كلهم يدخلون مثل هذا فى المسند» (١٨).