قول الله تبارك وتعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) النساء / ٦٥.
فقد ورد فى الحديث عن الزبير بن العوام رضي الله عنه ، أنه خاصم رجلا من الأنصار فى شراج الحرة (٨) كانا يسقيان به كلاهما النخل ، فقال الأنصارى : سرّح الماء يمر عليه ، فأبى عليه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم (٩) : «اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك». فغضب الأنصارى وقال : يا رسول الله أن كان ابن عمتك! فتلون وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم قال : «اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر». فاستوفى رسول الله صلىاللهعليهوسلم للزبير حقه ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم قبل ذلك أشار على الزبير برأى فيه سعة له وللأنصارى ، فلما أحفظ رسول الله صلىاللهعليهوسلم الأنصارىّ استوفى للزبير حقه فى صريح الحكم ، قال الزبير : لا أحسب هذه الآية إلا أنزلت فى ذلك : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (١٠).
ولقد توارثت أجيال العلماء هذا الاهتمام بأسباب النزول ، فإذا كان الصحابة ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ قد احتاطوا للإخبار به هذه الحيطة ، فإن العلماء قد احتاطوا أيضا فى التنبيه على أن النقل الصحيح عن هؤلاء الصحابة الأبرار هو المرجع الوحيد فى معرفة أسباب النزول ، وحذروا من سلوك غير هذا السبيل فى طلبها.
قال الواحدى رحمهالله تعالى : «ولا يحل القول فى أسباب نزول الكتاب إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل ووقفوا على الأسباب ، وبحثوا عن علمها وجدّوا فى الطّلاب ـ أى الطلب» ثم روى عن سعيد بن جبير رحمهالله عن ابن عباس رضى الله عنهما قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اتقوا الحديث إلا ما علمتم ، فإن من كذب علىّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ، ومن كذب على القرآن من غير علم فليتبوأ مقعده من النار» (١١) ثم قال : «والسلف الماضون كانوا من أبعد الغاية احترازا عن القول فى نزول الآية .. وذكر عن محمد بن سيرين قوله : «سألت عبيدة عن آية من القرآن ، فقال : اتق الله وقل سدادا ، ذهب الذين يعلمون فيما أنزل القرآن ، وأما اليوم فكل أحد يخترع شيئا ، ويخلق إفكا وكذبا ، ملقيا زمامه إلى الجهالة ، غير مفكر فى الوعيد للجاهل بسبب الآية» (١٢).
قال الشيخ مناع القطان رحمهالله تعالى بعد أن نقل قول الواحدى السابق معقبا :
«وإذا كان هذا قول ابن سيرين وهو من أعلام