توجيه الشاذ :
الشاذ الذى يستحق أن يشتغل بتوجيهه هو الشاذ الوارد بسند مقبول ، أو الذى عرفنا العلماء أنه مقبول ، فاشتغلوا به رواية ، ودراية.
وحكم الشاذ من حيث الاحتجاج به فى الأحكام الأدبية ، والشرعية له موضعه من هذا البحث.
وتوجيههه علم من العلم ، وكثيرا ما يصعب إدراك وجهه ، ولهذا صار يقال بشأنه : إن توجيه القراءة الشاذة أقوى فى الصناعة من القراءة غير الشاذة (١٨٧).
وقد أتى علم التوجيه للمتواتر ، وللشاذ ثمارا منهما معجبة بارعة فى المجالات العلمية المختلفة ذات العلاقات بتلك القراءات.
أثر توجيه القراءات القرآنية فى إظهار ثروة من المعانى القرآنية :
رغم أن التوجيه تفسير إلا أنه عمل متميز ـ كما سلف ـ ولهذا صح أن نقول : إنه ذو أثر متميز فى إبراز معان قرآنية لا يتيسر استشرافها فى كتب التفسير ، قال الشيخ طاهر الجزائرى : (واعلم أن المشتغلين بفن القراءات وتوجيهها يلوح لهم من خصائص اللغة العربية ودلائل إعجاز الكتاب العزيز ما لا يلوح لغيرهم ، ويحصل لهم من البهجة ما يعجز اللسان عن بيانه ، فينبغى لمن سمت همته أن يقدم على ذلك ، بعد أن يقف على الفنون التى يلزم أن يوقف عليها من قبل ، فالأمر يسير على من جد جده ، والله ولى التوفيق) (١٨٨).
ونكتفى بنموذج ، فنقول :
قرئ فى العشر الكبرى قوله تعالى :
(وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً) (الحديد : ٢٧) : (رآفة) بمد الهمزة ، و (رأفة) بسكونها.
وهما مصدران لا فرق بينهما فى المعنى عند المفسرين.
ولم يقرأ فى العشر إلا بسكون الهمزة فى قوله تعالى : (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ) (النور : ٢).
وتوجيه ذلك أن زيادة المبنى فى (رآفة) تدل على زيادة المعنى ، فهى رأفة عظيمة ، وكيف لا وهى من إيجاد الله تعالى إيجادا خاصا.
أما فى سورة النور فالمقام مقام نهى عن أى رأفة فى تنفيذ حكم الله تعالى فى مرتكبى الفاحشة ، لا نهى عن رأفة عظيمة (١٨٩).
ومن أراد العديد من النماذج وجد (١٩٠).
***