يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (٣٠).
وقد ذكر الطاهر بن عاشور فى تفسير هذه الآية ما ملخصه : أن النفوس بعد سماع الآية السابقة تزداد الهواجس من كثرة تردد الأيمان على الألسنة. فجاء قوله تعالى (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ) (٣١) الآية.
والمؤاخذة مفاعلة من الأخذ بمعنى المحاسبة.
فالمفاعلة للمبالغة فى الأخذ والمحاسبة ، واللغو مصدر من لغا : إذا قال كلاما باطلا.
ويقال : لغا يلغو لغوا ، كدعا ، ولغا يلغى لغيا كسعى. ولغة القرآن بالواو ، وفى اللسان «أنه لا نظير له إلّا قولهم أسوته أسوا وأسى».
ويطلق اللغو أيضا على الكلام الساقط الذى لا يعتد به وهو الخطأ وهو إطلاق شائع.
واقتصر عليه الزمخشرى فى «الأساس» وفى «الكشاف». و (فى) للظرفية المجازية يراد بها الملابسة ، وهى صفة للغو أو حال منه ، وكذلك قدره الكواشى فيكون المعنى : لا يؤاخذكم الله بأن تلغوا لغوا ملابسا للأيمان.
هذا إن جعلت اللغو مصدرا ، أما إذا جعلته اسما للكلام الساقط فيكون المعنى : لا يؤاخذكم الله فى أيمانكم باللغو. فكثرة جريان الحلف على الألسنة جعلته يشبه اللغو فى الكلام.
وقد اختلف العلماء فى مراد اليمين فى الآية : الجمهور على أنها الأيمان الجارية على الألسنة بغير قصد الحلف ، وهذا قول عائشة والشعبى وأبى قلابة ، وعكرمة ، ومجاهد ، وأبى صالح وبه أخذ الشافعى. ودليله أن اللغو وردت فى الآية فى مقابلة المنعقدة ، فلا بد أن هذه التى لا قصد فيها أى غير منعقدة فلا إثم ولا كفارة عليها ، وفى غيرها الكفارة المذكورة فى سورة المائدة : (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ) (٣٢) فيكون فى الغموس ، والمعلق ، وعلى الظن الذى يتبين خلافه.
وذهب مالك إلى أن اللغو هو الذى يقسم فيه على شىء يظنه كذلك ، أو يتبين خلافه ظنه ، وهو مروى فى غير «الموطأ» عن أبى هريرة ، وقال به الحسن ، وإبراهيم ، وقتادة والسدى ، ومكحول ، وابن أبى نجيح ، ودليله من الآية المؤاخذة على كسب القلب لا على أصل القسم ، فعلم أن المراد بكسبه كسب الحنث أى تعمده ، فالحالف على ظن يظهر خطؤه لا يتعمد الحنث ، فهو الملغو ولا مؤاخذة فيه.
ومن قال : لا والله. وهو كاذب فهو قسم عنده ، وجاءت عليه الكفارة ؛ لأنه حلف حين حلف وهو حانث ، وإنما جعلنا تفسير (ما كسبت قلوبكم) كسب الحنث ، لأن مساق الآية للحنث ، لأن قوله تعالى : (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ