يتجاوزونها ويبصرونها ، من قولك : مررت على فلان إذا جزت عليه ، والمشهور تعديته بحرف الجرّ على أو الباء ، كقوله (١) : [من الكامل]
ولقد أمرّ على اللئيم يسبّني |
|
فمضيت ثمّت قلت لا يعنيني |
وقال تعالى : (يَمُرُّونَ عَلَيْها) ، وقد توسّع فيه ضمن معنى المتعدّي فنصب بنفسه ، كقول الشاعر (٢) : [من الوافر]
تمرّون الدّيار فلم تعوجوا |
|
كلامكم عليّ إذا حرام |
قوله تعالى : (فَمَرَّتْ بِهِ)(٣) أي استمرّت ، أي قامت وقعدت ، ولم تستثقل به. ولذلك فسّره بعضهم شجعت ، كأنه رأى بعده (فَلَمَّا أَثْقَلَتْ). وقرىء مرت ـ بتخفيف الراء ـ من المرية (٤). وفي حديث الوحي : «سمعت الملائكة مرار السّلسلة على الصّفا» (٥) المرار من الإمرار في الفتل. قال الهرويّ : ولو روي «إمرارا» لكان حسنا ؛ يقال : أمررت الشيء : إذا جررته ، وأنشد : [من الكامل]
ونقي ... (٦) ما لنا أحسابنا |
|
ونمرّ في الهيجا الرماح وندّعي |
قلت : ويؤيده ما في حديث آخر «كإمرار الحديد على الطّشت الجديد» (٧).
قوله تعالى : (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ)(٨) أي اجتازوا ، وفيه تنبيه على أنّهم إذا دفعوا بالقوة إلى اللغو كفّوا عنه ، وإذا سمعوا تصامموا عنه ، وإذا شاهدوا أعرضوا عنه. قوله : (مَرَّ كَأَنْ
__________________
(١) البيت لرجل من بني سلول مولّد. والبيت من الشواهد النحوية المشهورة ؛ الكتاب : ٣ / ٢٤ ، المغني : ١٠٢ ، الخصائص : ٣ / ٣٠٣.
(٢) البيت لجرير ، يستشهد اللغويون على هذه الرواية. بجواز تعدية «مر» بنفسه أو بحرف جرّ. وله رواية أخرى في كتب اللغة «مررتم بالديار» (اللسان ـ مر). على أن رواية الصدر في الديوان : ٥١٢ :
أتمضون الرسوم ولا تحيّا
(٣) ١٨٩ / الأعراف : ٧.
(٤) هي قراءة يحيى بن يعمر. وقرأها ابن أبي عمار «فمارت» وابن عباس «فاستمرت به» (مختصر الشواذ : ٤٨).
(٥) النهاية : ٤ / ٣١٧.
(٦) بياض في الأصل.
(٧) النهاية : ٤ / ٣١٧. وفيه : الطست.
(٨) ٧٢ / الفرقان : ٢٥.