تحكم العقول الصّحيحة بقبحه ، أو تتوقّف على استقباحه العقول ، وتحكم بقبحه الشريعة. وإلى هذا قصد بقوله : (الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ)(١).
وتنكير الشيء من حيث المعنى جعله بحيث لا يعرف. قال تعالى : (نَكِّرُوا لَها عَرْشَها)(٢) وتعريفه : جعله بحيث يعرف ، واستعمال ذلك في عبارة النّحويين هو أن يجعل الاسم على صيغة مخصوصة. انتهى.
قلت : يعني التعريف عند النحويين كذا ، وأراد بالصيغة إطلاقه على ذات مخصوصة. والنكرة عندهم ما وقع شائعا في جنسه كرجل. والمعروف ما وقع خاصا. وإنما قلنا : «ما وضع» ليدخل نحو شمس وقمر في النكرات ، ونحو زيد وعمرو في المعارف كما حقّقناه في غير هذا. وقال مجاهد في قوله : «نكّروا لها عرشها» أي غيّروه أتعرفه أم لا؟ (ومعنى قولهم : أنكرت على فلان ، أي فعلت به فعلا يردعه. قوله تعالى : (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ)(٣) نكير مصدر) (٤) بمعنى الإنكار كالنذير.
قوله : (وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ)(٥) أي لا تقدرون على أن تنكروا ذنوبكم. وقيل : مالكم من ينكر علينا ما نفعل بكم كقوله : (مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ)(٦). قوله تعالى : (إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ)(٧) أي أقبحها. ومنه وجه منكر ، أي قبيح ينكره من رآه ويشمئزّ منه. وفي الحديث : «إنّه لم يناكر أحدا قطّ إلا كانت معه الأهوال» (٨) أي يحارب. والمناكرة : المحاربة ، لأنّ كلّ فريق مخادع الآخر. قال الراغب (٩) : واستعمل المناكرة للمحاربة. ومعنى «إلا كانت معه الأهوال» كقوله : «نصرت بالرّعب» (١٠).
__________________
(١) ١١٢ / التوبة : ٩.
(٢) ٤١ / النمل : ٢٧.
(٣) ٤٤ / الحج : ٢٢.
(٤) ما بين قوسين ساقط من ح.
(٥) ٤٧ / الشورى : ٤٢.
(٦) ٧٤ / التوبة : ٩ ، وذكرها الناسخ خطأ فصوّبناها.
(٧) ١٩ / لقمان : ٣١.
(٨) النهاية : ٥ / ١١٤.
(٩) لم يرد كلامه في المفردات.
(١٠) النهاية : ٢ / ٢٣٢.