بحث دلالي :
الآيتان الشريفتان من أعظم الآيات القرآنيّة التي تبيّن أحكام الطهارات الثلاث التي يشترط بها أهمّ العبادات في الإسلام ، وهي الصلاة التي تعتبر عمود الدين ، إن قبلت قبل ما سواها وإن ردّت ردّ ما سواها.
وقد بيّن عزوجل في هاتين الآيتين المباركتين جمع ما يتطلّبه هذا الحكم الإلهي ، فذكر تعالى واجباته ، وشروطه ، وآدابه ، والضمان على تنفيذه ، ويستفاد من الآية الكريمة أنّ هذا الحكم ممّا أخذ عزوجل عليه الميثاق ، لبيان أهميته ، ولعلّ السرّ في ذلك علمه عزوجل بتهاون جمع كبير به ، واختلاف الامّة فيه مع علمهم بأنّ له شأنا كبيرا في تطهير النفوس وتزكيتها وتوقّف امور كثيرة عليه.
ويستفاد من الآيات الشريفة اُمور :
الأوّل : يستفاد من قوله تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا) اشتراط الصلاة بالطهارة ، إما أنّها واجبة لنفسها ، أو واجبة للغير ، قيل : بالثاني ، لدلالة الفاء على الترتيب ، كما يشهد بها العرف والتبادر. وقيل بالأوّل ، كما تدلّ عليه ذيل الآية المباركة (وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) ويشهد له بعض الأحاديث ، والفاء إنّما تدلّ على الترتيب لو لم تكن في البين قرينة على الخلاف كما في المقام ، بل يمكن أن يقال : إنّ الفاء إنّما استفيد منها الفرعيّة في المقام كما هو واضح ، أما كون الطهارة واجبة بالوجوب النفسي أو الغيري ، فلا يمكن أن تستفاد من الآية الكريمة لوحدها ، إلّا مع انضمام القرائن الخارجيّة التي تدلّ على الثاني ، كما هو الحقّ ، والمسألة محرّرة في الكتب الاصوليّة والفقهيّة.
الثاني : يدلّ قوله تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) على لزوم النيّة ، فإنّ الفعل الاختياري ، لا يقع من الفاعل بدونها ، هذا إذا لم نقل بأنّ المراد من (إذا قمتم) أردتم وقصدتم ، وإلّا فالدلالة أوضح وتدلّ عليه جملة كثيرة من الروايات ، وفي الحديث