وممّا ذكرناه يعرف فساد ما نسب إلى بعضهم من كفاية مطلق لمس النساء في الطهارة ، أخذا بظاهر اللفظ وإبقاء له على معناه الحقيقي من دون حمله على معناه الكنائي ، الذي هو أسلوب من الأساليب البلاغيّة المعروفة ، مع أنّ سياق الآية الكريمة لا يلائمه ، لأنّ الآية المباركة بيّنت الحدث الأكبر ابتداء ، ثمّ ذكرت الحدث الأصغر في الحالة الاعتياديّة ، ثمّ ذكر الحدث الأصغر في الحالة الاضطراريّة ، فلو حملناه على المعنى الذي ذكره يستلزم منه إهمال فرض من الفروض ، وهو الحدث الأكبر في الحالة غير الاعتيادية ، وعدم بيان حكمه ، وهو التيمّم بدل الغسل ، وأنّ به تستوفى الفروض.
قوله تعالى : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً).
جواب الشرط «إن كنتم» ، فيكون المراد من عدم الوجود أعمّ من عدم الوجدان والعجز من تحصيله ، وعدم التمكّن من استعماله من جهة المرض وغيره ، وهو الأنسب ، والعطف بالفاء لبيان أنّ عدم الوجدان إنّما يكون معتبرا لعدم حصول هذه الأسباب.
وقال بعضهم : إنّه معطوف على قوله : «جاء» ، فيكون قيدا للسفر ، والغائط ، وما عطف عليه. ويكون حكم من كان المرض مانعا له عن تحصيله ـ لا استعماله ـ مستفادا من دليل آخر ، ولكنّه تبعيد للمسافة.
كما أنّ القول بأنّه معطوف على «لامستم» ، لأنّه أقرب لفظا.
مردود أيضا كما هو واضح ، وقد تقدّم الكلام في هذه الآية المباركة في سورة النساء الآية ـ ٤٠.
والظاهر منها أنّ المراد بوجود الماء ، وجود ما يكفي للطهارة ، فلو وجد ما يكفي لبعض الأعضاء فقط ، فهو في حكم الفاقد لها أجمع ، كما أنّ الظاهر منها أنّه إذا كان قادرا على الطلب في الجملة يجب عليه ، إذ مع وجوده في أحد أطرافه لا ينطبق عليه عنوان أنّه لم يجد ، وسيأتي في البحث الفقهي ما يناسب الموضوع.