قوله تعالى : (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ).
أي : أنّ أهل الإنجيل لما علموا بأنّ ما ورد فيه هو من الله تعالى ، فلا بدّ أن يذعنوا به ، ويستسلموا لأحكامه تسليم إذعان وطاعة ، ومن جملة ما يجب الإذعان به هو الإيمان برسالة خاتم الأنبياء صلىاللهعليهوآله والطاعة له.
قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ).
تشديد في الأمر وتأكيد في الحكم بما أنزل الله ، والفسق هو الخروج عن طريق الشرع المبين والعقل ، أي : أنّ أهل الإنجيل إذا لم يحكموا بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ، لأنّهم حرّفوا دين الله وخرجوا عمّا أمره عزوجل بالاعتقاد بالوحدانيّة والعمل بشريعة موسى عليهالسلام ، فهم بدّلوا ذلك وأسّسوا لهم دينا مستقلا ، واعتقدوا التثليث ونبذوا الوحدانيّة المأمور بها ، ففسقوا عن أمر ربّهم.
والآيات مطلقة لا تختصّ بقوم أو طائفة معينة ، وهي تشمل جميع صور الحكم التي هي أربع :
الاولى : ما إذا علم بما أنزل الله ولكنّه أعرض عنه وعانده ، فهذا كافر ويدخل في قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ).
الثانية : ما إذا علم بما أنزل الله ولكنّه ردّه بأن غيّره أو بدّله ، وهذا ظلم يدخل في قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
الثالثة : ما إذا لم يعلم بما أنزل الله تعالى وحكم به ، فهذا هو الفسق ويدخل تحت قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ).
الرابعة : ما إذا علم بما أنزل الله تعالى وحكم به فهو الحقّ ، ويدلّ عليه قوله تعالى فيما يأتي : (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِ) [سورة المائدة ، الآية : ٤٨].
والصورتان الاولى والثانية يتّصف بهما اليهود ، كما عرفت. وأما الثالثة فيتّصف بها النصارى ، فإنّهم خرجوا عن دين الله بما أوّله المتأوّلون ، فاشتبه الأمر عليهم. ولعلّ ما ورد في بعض الروايات من تقسيم القضاة إلى أربعة مأخوذ من