ومنها : عدم رسوخ الإيمان المطلوب في قلوبهم ، ولم تتهذّب نفوسهم بالتعليمات والتوجيهات التي أتى بها موسى بن عمران عليهالسلام ، ولذا تراهم يتمرّدون عليه ويعصون أوامره مرّة بعد اخرى ، بل رجعوا إلى عبادة العجل ، لأنّ الوثنيّة التي عاشوا فيها في مصر كانت عالقة في أذهانهم ، كما حكي عزوجل عنهم في القرآن الكريم ، قال تعالى (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) [سورة الأعراف ، الآية : ١٣٨].
ومنها : الجهل بكثير من الحقائق التي تقوم عليها هذه الحياة ، وإعراضهم عن قبول ما يكون سببا في صلاحهم وسعادتهم.
ولأجل هذه الأسباب وغيرها ممّا حكى لنا القرآن الكريم صورا متعدّدة منها ، فشلوا في تنفيذ الأمر الإلهيّ بدخول الأرض المقدّسة التي أراد عزوجل منها إصلاحهم وتكوينهم امّة واحدة لها كيانها ، وقائدها ، وشريعة ، ودستورا وحاكما يتولّى أمرها وشؤونها ، وفق نظام إلهيّ ، بعد أن كانوا اسرة صغيرة متفرّقة في أرض مصر ، عرضة للعبوديّة والسخرية والإهانة والاستبداد ، فأعرضوا عمّا أراده الله تعالى لهم وعصوا أمر ربّهم ، فابتلاهم الله تعالى بالتيه أربعين سنة لإصلاحهم وتهذيبهم فيه ، وكان لا بدّ من ذلك بحسب قانون الأسباب والمسبّبات التي تقوم عليه الحياة ، ويظهر للمتتبع كثير ممّا ذكرناه وغيرها إذا رجع إلى التوراة سفر العدد ، الذي هو السفر الرابع من أسفارها ، الفصلين الثالث عشر والرابع عشر ، فإنّ فيهما تفصيلا لقصة التيه.
مكان التيه :
المعروف أنّ التيه هي الصحراء التي تقع بين الشام ومصر ، أي أرض سيناء ، وبالتحديد قلب شبه جزيرة سيناء ، التي تقع في الطرف الجنوبيّ الأقصى لفلسطين ، على مقربة من أيلة ، بينهما عقبة لا يصعدها راكب لصعوبتها ، والتي لا بدّ من