عامل من عوامل التكوين السياسيّ لهم ، وأعظم دعامة من دعامات التحرير والاستقلال فيهم. وبعد ظهور حقيقتهم في رفضهم الدخول بالقتال جبنا ، ولانهيار معنوياتهم بسبب العبوديّة المقيتة الطويلة ، ثمّ يأتي الوعظ والإرشاد ، فإذا لم ينفع ذلك يأتي دور الإصلاح النفسيّ والبدنيّ في ترويضهما على الطاعة وبعث روح المقاومة والشجاعة في نفوسهم وتحمّل المشاق في سبيل تكوين سيادتهم ، وهذا ما تحقّق في التيه الذي كتب الله تعالى عليهم مدّة أربعين عاما ، وسيأتي في البحث العلمي مزيد بيان إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى : (فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ).
وعد منهم بالدخول وإن كان حقيقته هو الردّ للحكم الإلهيّ والنكوص عن طاعة موسى عليهالسلام ، وإنّما ذكروا ذلك تصريحا مع أنّه مفهوم ممّا سبق ، تأكيدا وتنصيصا على أنّ امتناعهم من الدخول إنّما هو لأجل وجود الجبابرة فيها ، فلا بدّ أن يخرجوا منها بأي سبب كان من غير قتال ، فإنّه لا طاقة بهم ، ويؤكّد ذلك إتيان الجملة الاسميّة المصدرة ب (ان) في الجزاء ، للدلالة على تحقّق الدخول وثباته عند تحقّق الشرط ، وهذا القول منهم يثبت ما ذكرناه آنفا من تأثّر نفوسهم من العبوديّة الطويلة ، فلم يتقبّلوا بسهولة حريتهم ورجوع استقلالهم ، فقد أحبّوا خروج الجبابرة بسبب من الأسباب التي لم يكن لهم أي ارتباط به.
قوله تعالى : (قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ).
بيان لمنهج آخر من مناهج التربية الإلهيّة في إصلاح النفوس ، وهو الوعظ والإرشاد والتذكير بعواقب الأمور.
وفي الآية المباركة التعريض لهم بأنّ الخوف لا بدّ أن يكون ممّن يخاف سطوته التامّة وقدرته الكاملة ، فلا يخاف من مخلوق يدّعي القوّة والسطوة وهو مقهور تحت إرادة خالقه ، فيدلّ السياق على أنّ المراد بالمخافة هي مخافة الله عزوجل ، بالتحرّز عن عصيانه والإعراض عن طاعته.
وقد حذف اسم الجلالة لتربيب المهابة وتنشيط هممهم ، والإرشاد بأنّ الذين