قوله تعالى : (فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ).
أي : من كفر كفرا واضحا لا شبهة فيه ولا عذر معه ، خرج به عن السّبيل السوي الذي يوصل سالكه إلى الكمال المنشود والسعادة التي تصلح بهما دينهم ودنياهم وآخرتهم ، ويجعله أهلا لمورد الإفاضة وحبّه عزوجل وجواره في تلك الجنّات الخالدات ، ومن خرج عن سواء السّبيل يدخل في إحدى السبل الباطلة الموبقة التي تفسد الفطرة وينتهي سالكها إلى سوء العاقبة ، ويدنس النفس ، ويورد صاحبها إلى الجحيم ، بخلاف الكفر قبل ذلك ، فإنّه قد يكون معه شبهة وعذر ، فيأتي الامتحان والاختبار لكشف الحقيقة وإظهار الواقع.
قوله تعالى : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ).
تفصيل بعد إجمال ، فإنّه تعالى بعد ذكره جزاء الكفر بالميثاق الذي أخذ منهم وهو الضلال ، ففي هذه الآية الشريفة يبيّن تفصيلا لما يوجب الضلال ، كتحريف الكلم عن مواضعه ، أو نسيان الحظّ الذي أوتوه ، ونقض المواثيق ، وأنواع النقم ، كاللعن وقساوة القلوب وغيرهما.
والباء في قوله تعالى : «فبما» للسببيّة ، و «ما» للتأكيد ، أي : بسبب نقضهم لميثاقهم ، وكفرهم بالله جلّت عظمته ، وإعراضهم عن الطاعة ، حلّت البلايا والرذائل عليهم.
والآية المباركة تدلّ على أنّ النقض هو السبب الوحيد في ما حلّ بهم من أنواع البلاء وما استحقّوه من الجزاء لا غيره ، لا استقلالا ولا انضماما.
والمراد من الميثاق هو ما ذكره عزوجل في ما سبق من الآيات ، وهو الإيمان بالله تعالى ورسله ، ونصرتهم ، وتنفيذ أحكامه المقدّسة ، وقد ذكر عزوجل أنواعا من الآثار المترتبة على الضلال ، بعضها يتعلّق بالدنيا ، والاخرى بالجزاء الاخروي ، وثالثة بالنفوس.
قوله تعالى : (لَعَنَّاهُمْ).
اللعن هو الطرد عن الرحمة الإلهيّة التي هي السبب الوحيد في السعادة