استحفظوه من كتاب الله تعالى. والمراد به التحفّظ العملي عن ظهر القلب ، يقال : حفظ فلان حرمة زيد ، أي : عمل فيه بما هو وظيفة احترامه ، ومنه قولهم : «يحفظ الرجل في ولده». وإنّما ذكر عزوجل : «استحفظوا» دون حفظوا أو حملوا ونحو ذلك ، باعتبار أنّهم حفظوها بالعمل بما ورد فيها من الأحكام ، وحفظوها بالتبين ، وحفظوها من التغيير والتبديل ، فكانوا أمناء على التوراة.
قوله تعالى : (وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ).
ترتّب هذا على سابقه من قبيل ترتّب المعلول على العلّة التامّة ، فإنّهم لما أمروا بحفظ التوراة فكانوا أمناء الله تعالى عليها ، فلا ريب أنّهم شهداء على كتاب الله ، بل تعتبر الشهادة من شؤون الحفظ المأمور به. ويمكن أن تكون الآية تأكيدا على ما سبق ، يعني : أنّهم مضافا إلى عملهم بكتاب الله تعالى يشهدون أنّ هذا تكليفهم أيضا.
وكيف كان ، فإنّ في الكلام تعريضا للذين هادوا في عصر الرسول صلىاللهعليهوآله بأنّهم خرجوا عن أهليّة حفظ التوراة والشهادة عليها ، وقد ذكر المفسّرون في الآية وجوها يبطلها السياق.
قوله تعالى : (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ).
تفريع على ما سبق ، أي : لما كانت التوراة منزلة من الله تعالى ومشتملة على الهداية والنور ، وشريعة يقضي بها النبيّون والربّانيون والأحبار ، وقد أخذ منهم الميثاق على حفظها ، فاعملوا بها كما عمل السلف ، ولا تكتموا شيئا من أحكامها بأن تحرّفوها أو تعدلوا عنها خشية النّاس وخوفا منهم. وعموم الآية الشريفة يشمل جميع المخاطبين الحكّام وغيرهم من المسلمين وغيرهم ، فلا بدّ أن تكون خشيتهم من الله تعالى بالوفاء بعهده وميثاقه والعمل بشرائعه ، لا أن تكون الخشية من الناس ، وقد تقدّم الكلام في مثل هذه الآية في أوّل هذه السورة فراجع.
قوله تعالى : (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً).
أي : ولا تستبدلوا حكما من أحكام الله تعالى طمعا بمال أو جاه دنيويّ