قفيته بفلان إذا اتبعته إيّاه ، وتستعمل في المحسوس وغيره. يقال : فلان يقفي آباءه وأشياخه ، أي : يتلوهم ويسير على طريقتهم.
والآثار : جمع الأثر وهو ما يحصل من الشيء ، ممّا يدلّ عليه ، وقد تقدّم الكلام في اشتقاق هذه الكلمة ، وغلب استعمالها في الشكل الحاصل من القدم.
والمعنى : وبعثنا عيسى بن مريم عليهالسلام بعد أولئك النبيّين الذين كانوا يحكمون بما أنزل الله تعالى في التوراة ، متبعا لآثارهم وجاريا على سنّتهم.
قوله تعالى : (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ).
جملة حاليّة من عيسى بن مريم تبيّن ما ورد في الجملة السابقة ، وتشير إلى منزلة هذا النبيّ العظيم ، وأنّ دعوته هي دعوة موسى عليهالسلام والعمل بما ورد في التوراة من الأحكام.
قوله تعالى : (وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ).
أي : أعطيناه الإنجيل ، وقد وصف سبحانه وتعالى الإنجيل بأوصاف ثلاثة :
الأوّل : أنّه كتاب بشريّ ، فإنّ الإنجيل يأتي بمعنى البشارة ، وقد احتوى على جملة من التشريعات والحكم والآداب والمواعظ التي تهدي العامل بها إلى السعادة والكمال المنشودين ويبشّره بالنعيم الدائم ، ولم يبيّن عزوجل خصوصيات الإنجيل بالنسبة إلى غيره من الكتب الإلهيّة ، فإنّه تعالى قال في حقّ التوراة : (قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) [سورة الأعراف ، الآية : ١٤٤]. وأما القرآن فقد فصّل القول فيه ، لأنّه المهيمن على الكتب كلّها. والآيات النازلة في حقّه المفصّلة لخصوصياته وشؤونه وكيفيّة نزوله كثيرة مذكورة في مواضع متفرّقة منه.
ويستفاد من جملة (آتيناه) أنّه تعالى أعطاه هذا الكتاب دفعة واحدة. والإنجيل بكسر الهمزة وهو اسم أعجمي.
الثاني : أنّ فيه الهداية والنور ، أي : يشتمل على ما يهدي من الزيغ والضلال ، ونور يبصر به طالب الحقّ ، وقد ذكر سبحانه وتعالى ذلك بالنسبة إلى التوراة