أي : أنّه إذا أقرّوا بأنّهم بشر من جملة ما خلقه الله تعالى ، داخلون تحت سلطانه يتحكّم فيهم إرادته ومشيئته ، فلا يحابي أحدا من مخلوقاته ، وهو تعالى الحكم العدل يجازي عباده على أعمالهم ، فيغفر لمن يشاء منهم ، ويعذّب من يعلم بأنّه يستحقّ العذاب ، ماض حكمه ، فلا يمنع من مشيئته مانع أو يتحكّم في إرادته شيء.
قوله تعالى : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما).
بيان للأمر الثالث الذي احتجّ عزوجل به عليهم ، ويتضمّن هذا الدليل البرهان على نفي البنوّة عنه مطلقا ، فهو الخالق للسموات والأرض وما بينهما من المخلوقات ، فالجميع مملوك له عزوجل ، ومربوب له مقهور تحت إرادته ، فلا ينتمي شيء منها إليه تعالى إلّا بالمعبوديّة والمملوكيّة ، يتصرف فيها بما شاء إيجادا وإعداما ، إحياء وإماتة ، إثابة وتعذيبا. وهو الغني عن خلقه ، فلا يحتاج إليهم ، بل هم محتاجون إليه ، فلا يمكن أن يتصور له بنون.
وهذه الآية الشريفة تماثل الآية التي ذكرت آنفا ، إلّا أنّها ختم تلك بقوله تعالى : (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ، لأنّها في مقام نفي الغرابة في الخلق وامتياز بعضهم على بعض ، فأثبت القدرة التامّة لنفسه على خلقه ، فلا امتياز له عليهم من هذه الجهة ، وأما آية المقام فإنّها في مقام بيان الجزاء على الأعمال ، فختمها بقوله تعالى : (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) ، فإنّه سيجازيهم على أفعالهم وأقوالهم.
قوله تعالى : (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ).
فإنّه سيحاسبهم على أفعالهم وأقوالهم ، فيثيب المحسن على إحسانه ويعاقب المسيء على إساءته ، ولا يصرفه صارف عن ذلك الجزاء.
وفي الآية المباركة إشعار بأنّه سيعذّب أصحاب تلك الدعاوي الباطلة ، على كفرهم وغرورهم وتقوّلهم على الله تعالى بغير حقّ.
قوله تعالى : (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ).
خطاب لهم بالرجوع عن غيّهم والدخول في دين الحقّ ، بعد ما دحض