يشترط أن يكون موافقا لما ورد في الشرع المبين ، كما أنّ فعل الطاعات وترك المعاصي لا بدّ أن يكون مع العلم وتحرّي مكارم الشريعة ، وقد ورد في بعض الأخبار : «انّ الله لا يقبل دعاء قلب ساه أو لاه» ، فالعلم وموافقة الشرع المبين من مقوّمات التقرّب إلى الله تعالى. ومن هنا كان ابتغاء الوسيلة إليه عزوجل من شؤون العبوديّة لله تعالى ، التي لا تتحقّق إلّا بإيجاد الرابطة بين العبد وربّه ، فيكون المراد من ابتغاء الوسيلة ابتغاء الطاعة لله تعالى التي لا يمكن أن تتحقّق إلّا بذلّ العبوديّة وتوجيه المسكنة والفقر إليه عزوجل والتضرّع لدى جنابه والخشية منه تعالى ، ولا يمكن الوصول إلى ذلك إلّا باتّباع الشريعة والتقوى ، فكانت التقوى هي العلّة والغاية ، وهذا يدلّ على أهميّة التقوى ، فإنّه قلما اجتمع في شيء العلّة الفاعليّة والغائيّة. ولعلّه لأجل ذلك أمر بالتقوى أوّلا ، ثمّ بابتغاء الوسيلة إليه ، وهذه الآية الشريفة على إيجازها البليغ تتضمّن جميع الكمالات الواقعيّة ، فهي الذريعة لكلّ خير وسعادة ، ومنجاة من كلّ شقاء وعذاب ، وفيها تظهر حقيقة العبوديّة وتزول الحجب والأغيار ، فإنّه لا منجى إلّا بالتوسّل إليه عزوجل والإعراض عمّا سواه ، وابتغاء الوسيلة إليه تبارك وتعالى لا يختصّ بطريقة معينة ، بل كلّ ما يوجب التوسّل به إليه فهو صحيح ، ففي الحديث : «انّ الطرق إلى الله تعالى بعدد أنفاس الخلائق» ، إلّا ما ورد النهي عنه في الشريعة الغرّاء كما في عبادة الأصنام والذبح لغير الله تعالى وغيرهما ممّا حكاه عزوجل في القرآن الكريم وما ذكر في السنّة الشريفة ، وليس من الأخير التوسّل بالأنبياء والأولياء كما يزعمه بعض ، فإنّ الله تعالى جعلهم أبواب رحمته في الأرض ، وقد قال تعالى : (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها) [سورة البقرة ، الآية : ١٨٩] ، وسيأتي في الموضع المناسب تفصيل الكلام إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى : (وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ).
كمال آخر من الكمالات الواقعيّة ، وترتّبه على سابقه من قبيل ترتّب المقتضى (بالفتح) على المقتضى (بالكسر) ، فيكون المراد من الجهاد الأعمّ من الأصغر