لغيره ، كما قال صلىاللهعليهوآله : «بهم ترزقون ، وبهم تمطرون ، وبهم يدفع الله البلاء» ، فهو الجامع لاسمي الصفات ونبل الكمالات ، وهذا ممّا لا شكّ فيه ، كما دلّت عليه البراهين العقليّة والنقليّة.
ولكن هذه المناقب أو المنازل بل الرتب السامية ، لم تكن وليدة الطينة والطبيعة فقط ، بل لا بدّ لها من أسباب وشرائط تؤهّل العبد لنيل تلك المقامات والوصول إلى تلك المنازل والقمم ، وهي كما قال جلّ شأنه في كتابه الكريم : (إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) ، وإنّما قدّم الصلاة على غيرها ، لأهمّيّتها ، وأنّ صلاة العارفين لا يوازيها شيء ـ وهي ليست كصلاة الغافلين ـ فإنّها الصلاة الدائمة بين الخالق والعبد ، وأنّها الرابطة القويّة بين الباري جلّ شأنه والمؤمن ، وبها تكشف الظلم ، وتزول الأستار ، وترفع الحجب.
وهي لا تختصّ بطائفة دون اخرى ، فتعمّ الطبقات كلّها ، ولها درجات حسب معرفة العبد وإيمانه ، لأنّها المعراج إلى الحقّ ، فيستمر العروج ويدوم إلى أن تظهر الحقيقة في نشآتها ، ويتجلّى الحقّ كما تجلّى يوم الميثاق.
ولها مراتب حسب أهلية العبد وانقطاعه إلى الله تعالى وبعده عن المادة والماديات ، وتقدّم في أحد مباحثنا السابقة أنّ السير إلى الكمال والترقي بالمنازل والرقي إلى المقام ، لها مراتب وحظوظ وأنواع ، ولكلّ منها أسباب وشرائط ، والصلاة جامعة لها.
ولعلّ تركّبها من الطهور والركوع والسجود ـ كما ورد في بعض الروايات ـ إيماء إلى ذلك ، فبالطهارة ترتفع الخاصيّة التي توجب الحجاب عن مشاهدة الحقّ ، لأنّ بها تزال الأدناس الظاهريّة والمعنويّة ، كما بالقيام نحوه تعالى تزال الصفات الماديّة المتعلّقة بالنفس ، كالشهوات بأنواعها.
وبالركوع تزال الأنانيّة والتكبّر ، وبه تسير النفس من أوّل خطوة إلى أرقاها ، فيخضع لله عزوجل ولمن تجلّى فيه أسمائه وصفاته جلّت عظمته.