والتعريف باعتنائه عزوجل بهم وتفضيلهم على غيرهم ، فناسب ذلك ذكر نداء موسى عليهالسلام إيّاهم بقوله : (يا قَوْمِ) ، بالإضافة إلى ضميره ، إيماء بالقرب والمزيّة ، بخلاف آية النداء.
وكيف كان ، فإنّ سياق الآية الشريفة يدلّ على صيرورتهم ملوكا ، إذ لم يذكر عزوجل : «وجعل فيكم ملوكا» ، كما هو الشأن في النعمة الاولى ، وهذا يؤكّد على أنّ المراد من الملوكيّة غير ما هو المعروف ، بل هو التسلّط على أنفسهم والاستيلاء على شؤونهم وأموالهم ، وإن قدّر الله تعالى أن يكون فيهم ملوك كطالوت ، وداود ، وسليمان ، وغيرهم ، ولكن ذلك حصل بعد عصر موسى عليهالسلام بزمان كثير ، والآية الشريفة تدلّ على حصولها لهم في عصره عليهالسلام وتحقّقها فيهم في زمانه عليهالسلام.
وممّا ذكرنا يظهر فساد ما قاله بعض المفسّرين في المقام ، من أنّ المراد من جعلهم ملوكا هو ما قدّر الله تعالى فيهم من الملك ، الذي يبتدئ من طالوت فداود إلى آخر ملوكهم ، فتكون الآية المباركة وعدا بالملك وإخبارا بالغيب ، فإنّ ذلك خلاف ظاهر الآية الشريفة كما عرفت.
وقال بعضهم : إنّ المراد به مجرّد ركوز الحكم فيهم ، كما كانت عليه العرب قبل الإسلام. ويرد عليه ما أورد على سابقه.
وكيف كان ، فالآية الكريمة تعظّم أمر هذه النعمة فيهم ، فإنّها نعمة الحرية ، والاستقلال والخروج عن التبعيّة والاستذلال.
قوله تعالى : (وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ).
نعمة اخرى تشمل جميع ألطافه عزوجل وعناياته بهم التي أنزلت بآيات باهرات ، من فلق البحر ، ونجاتهم من بطش فرعون ، وتظليل الغمام ، وإنزال المن والسلوى ، وانفجار الحجر ، وغير ذلك ممّا كان له الأثر العظيم في حياتهم الدنيويّة والاخرويّة ، والتي اختصّوا بها من بين سائر الأمم ، فلم تتوفّر على امة ممّن تقدّم على عهد موسى عليهالسلام ما توفّرت وتواردت على بني إسرائيل ، فكانوا هم المفضّلين على غيرهم من هذه الناحية ، ولعلّ في قوله تعالى : (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى