الرسول ومن جعله الله وليّا عليهم ، ينفذ فيهم أحكامه ويسعى في تطبيق تشريعاته وأوامره ، فكان لا بدّ من الضمان على ذلك من الذين يعتبرون تهديدا على الإسلام والمسلمين ، فنهى عن مولاة الكافرين والمنافقين الذين يتربّصون بدين الله الدوائر. ومن ذلك كلّه تعتبر هذه الآيات مع سابقتها ولاحقتها على ارتباط تامّ وصلة وثيقة ، وكلّ آية منها في حدّ نفسها حلقة لا يمكن الاستغناء عنها في تثبيت ما ورد فيها من الأحكام ، وتأويلها إلى غير ظاهرها يكون إبطالا لمعانيها السامية وأحكامها القويمة ، وممّا ذكرنا يظهر فساد ما ذكره جمع في توجيه هذه الآيات وصرفها عن معانيها على ما ستعرف.
التفسير
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ).
خطاب تحبّب واهتمام بالمؤمنين واعتناء بالموضوع اعتناء بليغا ، وقد تقدّم الكلام في مثل هذا الخطاب. ومادة (أخذ) تدلّ على تناول شيء اعتمادا عليه. ومنه : أخذ منه العلم ، أي : تناول منه معتمدا عليه في نقله. ومنه : الاتّخاذ الذي هو الاعتماد على شيء لإعداده لأمر ما ، وهو افتعال باب ، والمعنى لا تعتمدوا على اليهود والنصارى مستنصرين بهم ، تلقون إليهم بالمودّة والمحبّة ، تعاشرونهم معاشرة الأحباب.
وقد ذكر عزوجل في مواضع مختلفة من القرآن الكريم مظاهر لهذا الاتّخاذ ، قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) [سورة الممتحنة ، الآية : ١] ، كما حدّد سبحانه وتعالى المحبّة لهم ، فقال : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [سورة الممتحنة ، الآية : ٨] ، فإنّ المستفاد منه أنّ شروط المحبّة هي أن لا يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ولم يظاهروا العداء للمسلمين.