والمحبوب واحد ، ألا ترى كيف قال لحبيبه : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) ، كأنهم كانوا في الأزل وأيام القدم مع حبيبهم ، إذ الحبيب كان قائما مقامهم ، وإن كانوا معدومين ، أي : اشربوا شراب وصالي من أزل الآزال إلى أبد الآباد ، فأيام القدم خالية عن وجود الحدثان ، وأيام البقاء لا تكون خالية عن شوق المشتاقين ، وزفرة الوالهين ، ودوران العارفين في ساحة كبريائه ، وسرادق بقائه.
قال الواسطي : أي : الأيام الخالية عن ذكر الله ؛ لتعلموا أنكم في فضله دون جزاء الآمال.
(وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ (٢٥) وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ (٢٦) يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ (٢٧) ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ (٢٨) هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ (٢٩) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (٣٠) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (٣١) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ (٣٢) إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ (٣٣) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (٣٤) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ (٣٥) وَلا طَعامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ (٣٦) لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخاطِؤُنَ (٣٧) فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ (٣٨) وَما لا تُبْصِرُونَ (٣٩) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٤٢) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٣) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (٤٤))
قوله تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ) : أقسم الله سبحانه بما ظهر من أنوار صفاته في آياته لذوي الأبصار من العارفين.
(وَما لا تُبْصِرُونَ) : من كشف ذاته التي لو بدا نور من أنواره لذابت من سبحات الكون وما فيه ، وأيضا «ما تبصرون» من معجزات أنبيائي ، وكرامات أوليائي ، وما لا تبصرون عما في قلوبهم من العلوم اللّدنية ، والأحكام الغيبية.
قال جعفر : بما تبصرون من صنع في ملكي ، وما لا تبصرون من برّى إلى أوليائي.
وقال الجنيد : بما تبصرون من آثار الرسالة على حبيبي وصفيّ ، وما لا تبصرون من سري معه الذي أخفيته عن الخلق.
قال ابن عطاء : بما تبصرون من آثار القدرة ، وما لا تبصرون مما اخترن من خلقه الذي لم يجر القلم به ، ولم يشعر الملائكة بذلك ، وما أظهر الله للخلق من صفاته ، وأراهم من صنعه ، وأبدا لهم من علمه في جنب ما اخترن عنهم إلا كدرة في جنب الدنيا والآخرة ، ولو أظهر الله من حقائق ما اخترن لذابت الخلائق عن آخرهم فضلا عن حملها.