إظهارهما ، هو الأمر اللفظي والنهي كذلك ، فالإرادة هذه في الحقيقة ، روح الطلب ولبُّه بل هي عينه ، بحيث لو أراد الشارع جعل حكم فلا بدّ من أن يكون مطابقاً له.
إذا عرفت ذلك فنقول :
الف : إن أراد القائل انّ حكم العقل بوجوب شيء وإدراكه العلّة التامة المقتضية للوجوب ، لا يلازم صدور الخطاب على وجه يصدق انّه حكم تنجيزي صادر من الشارع فمسلّم.
ب : وإن أراد من الحكم ، الحكم الشأني ، وانّ حكم العقل لا يلازم ذلك ، فهو أيضاً مسلّم.
ج : وإن أراد من الحكم ، بمعنى طلبه وإرادته وانّه لا ملازمة بين حكم العقل بحسن شيء أو قبحه ، وبين إرادته وكراهته فهو محجوج بقطع العقل الخارج عن شوائب الوهم بخلافه ، فانّ العقل إذا أدرك حسن الشيء على وجه به يستحق فاعله الثواب وجزاء الخير ، فقد أدرك من كل عاقل حكيم شاعر ، فكيف بمن هو خالقهم؟ وكذلك إذا أدرك قبح الشيء ، والملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع بهذا المعنى ممّا لا يقبل الإنكار فكأنّها نار في منار.
وأمّا الثواب والعقاب ، فالحكم بالمعنى الثالث هو مدارهما ، ألا ترى انّه لو علم العبد بعدم إرادة المولى قتل ولده ، أو أراد إكرامه فقتله ، أو أكرمه فيعد عندهم عاصياً ومطيعاً من دون أن تدانيه شبهة وليس لصدور اللفظ المعبر عنه بالخطاب مدخلية في ذلك.
بل يمكن إثبات الحكم بالمعنى الأوّل بضمّ مقدّمة خارجية (١) وهو قولهم
__________________
(١) وربما يستدل على الملازمة بين الارادة والكراهة ، والخطاب التنجيزي بقاعدة اللطف وهي غير تامّة في المقام.