______________________________________________________
تعدى أحد عن الطريقة المألوفة عندهم في اجتناب النجاسات ، بأن اجتنب مثلا عن أبنية البلاد معللا : بأن من عمرها استعمل في تعميرها الآلات والأدوات التي لا زال يستعملها في تعمير الكنيف من غير أن يطهرها ، يطعنه جميع المتشرعة بالوسواس ويرونه منحرفاً عن الطريقة المعروفة عندهم في اجتناب النجاسات ... إلخ كلامه [ قده ].
وجه الاشكال : أن الاجتناب في أمثال المقام ليس عن علم بالنجاسة وانما هو عن الظن والتخمين ، وترتيب مقدمات عقيمة عن الإنتاج ، لكثرة الأسباب الموجبة لقيام الاحتمال ، وانتفاء العلم بالسراية. ولذا لو سئل [ قده ] عن طهارة طعامه ، وشرابه وفراشه ، لم يشهد بالنجاسة ، ولم يدع العلم بملاقاته للمتنجس ، وكذا أكثر الناس.
ومنه يظهر الاشكال فيما ذكره [ قده ] أيضاً ، من أنه لو كان المتنجس منجساً لزم نجاسة جميع ما في أيدي المسلمين وأسواقهم ، لأنا نعلم أن أغلب الناس لا يتحرزون عن النجاسات. ويخالطون غيرهم ، فيستوي حال الجميع إذ لا يخفى أنه كما نعلم ذلك نعلم أيضاً بطروء الأسباب الموجبة للطهارة ، ولو من باب الاتفاق وذلك يوجب ارتفاع العلم بنجاسة ما يكون محل الابتلاء لكل مكلف ، والمرجع حينئذ أصالة الطهارة. نعم يعلم إجمالا بكذب أصالة الطهارة في كثير من الموارد المتعلقة بالمكلف وغيره ، أو المتعلقة به في وقائع بعضها صار خارجا عن محل الابتلاء. لكن مثل هذا العلم الإجمالي غير قادح في الرجوع الى الأصل.
ونظير هذا الاشكال وارد في النقود التي يأخذها السلطان الجائر ثمَّ يعطيها في كل سنة مرات متعددة ، أو تؤخذ بالمعاملات الفاسدة أو بالسرقة أو الغيلة أو بدون دفع الخمس أو الزكاة ، ويجري عليها الأخذ والإعطاء في كل سنة أو في كل شهر مرة أو مرات ، واختلاط بعضها بالمملوك يوجب قصور سلطنة المالك عن القسمة ، وعدم جواز التصرف في الجميع إلا بمراجعة