الشبهة ، جعلت الضرورة بقول مطلق ، منافية مع الاختيار ، وهذا المسلك جعل الإمكان ، مساوقا مع الاختيار.
أمّا الخطأ الأول ، فإن الضرورة ليست مطلقا منافية مع الاختيار ، ضرورة أن الضرورة ، إذا كانت ناشئة من الاختيار ، وفي طوله ، فلا تكون منافية مع الاختيار ، وإذا كانت غير ناشئة من الاختيار ، وليست في طوله ، بل هي مستقلة ، فتكون منافية للاختيار لا محالة ، ولهذا لا بدّ من البحث كما سيأتي ، من أن ضرورة الفعل ، هل هي في طول الاختيار ، أو هي مستقلة عن الاختيار ، أمّا كيف يتم ذلك ، فهذا مرتبط بمعرفة الاختيار ، فإن الفلاسفة كما مرّ بك ، فسّروا الاختيار بمعنى الإرادة ، «إن أراد فعل» ، وقلنا أن هذا التفسير ليس صحيحا.
إذن لا بدّ أولا أن نعرف معنى الاختيار ، لنعرف أن الضرورة هل هي في طوله أو مستقلة عنه ، فإن كانت في طوله لم تناف الاختيار ، وإن لم تكن في طوله ، فهي منافية للاختيار لا محالة ، كما يأتي تتمة الكلام في ذلك فيما بعد.
وأمّا الخطأ الثاني ، فهو أنّ المسلك ، يزعم أن مبادئ العليّة ، ونفي الضرورة ، وإبقاء الفعل على الإمكان ، مساوق مع الاختيار ، فهذا ليس بصحيح ، فإن مجرد كون الفعل ليس ضروريا ، لا يكفي في كونه اختياريا للفاعل ، فإن إنكار مبادئ العلية ونفي الضرورة ، معناه التسليم بالصدفة ، لأن هناك أحد أمرين ، فإمّا أن يقال بأن الشيء يحدث لقانون العلية ، وإمّا أن يقال أنه يحدث صدفة ، مع كونه ممكن الوجود والعدم ، فصدفة يوجد وصدفة يعدم.
ومن الواضح أن الصدفة غير الاختيار ، فكون الفعل يوجد صدفة وبلا علة موجبة له ، هذا معنى لا ينتزع منه العقل عنوان الاختيار ، بدليل أنه لو فرض محالا وقوع حادثة في الطبيعة صدفة ، لا ينتزع العقل من ذلك أن الطبيعة أصبحت مختارة في إيجاد هذه الحادثة ، بل يقال أن هذه الحادثة كان من