المتأخرين ، بأن صيغة «افعل» لها معنى واحد ، وهو ما ذكرناه ، خلافا لما كان يتراءى من الأقدمين ، حيث جعلوا لصيغة «افعل» معان متعددة ، في مقابل الطلب ، كالاستهزاء ، والتسخير ، والتعجيز ، وغيره ، بينما المتأخرون ، قالوا بأن للصيغة مدلول تصوري واحد ، وإنّما الفرق في المداليل التصديقية ففرق بين «صلّ» وذق إنك أنت العزيز الكريم ، والفرق في المدلول التصديقي لا في المدلول التصوري ، فهو واحد في الجميع ، لكن الدواعي تختلف ، والسيد الخوئي جريا على مبناه ، لم يوافق هؤلاء ، لأنه بنى على أن المدلول التصديقي هو معنى الصيغة ، وقال ، بأن معنى صيغة «افعل» ، هو اعتبار الفعل على ذمة المكلف (١) وطلبه منه ، وعلى هذا التزم بمعان عديدة للصيغة ، فتارة تستعمل في الطلب ، وأخرى في الاستهزاء ، وثالثة في التعجيز ، وهكذا ، وهذه معان متباينة ، فلا بدّ من الالتزام بتعدد معاني الصيغة.
وهذه النتيجة التي انساق إليها السيد الخوئي ، في المقام ، لها لازم غريب أيضا مضافا إلى بطلان أصل مبناه ، وهذا اللّازم هو ، أن لا تكون مادة الأمر في موارد التعجيز وغيره من الموارد ، مستعملة في المعنى أصلا ، وتوضيح ذلك :
لو قلت لزيد «طر إلى السماء» ، وكنت تريد بذلك التعجيز ، فتارة ، نفرض أن هذا القول ، مستعمل في النسبة الإرسالية كما يقول المشهور ، غاية الأمر إن استعمال اللفظ في النسبة الإرسالية وفي الدفع نحو السماء تارة يكون بداعي الطلب وأخرى يكون لتنبيهه إلى عجزه عن الطيران إلى السماء. وهذا أمر معقول.
إذن ، فكلمة «طر» قد استعملت في معناها تصورا مادة وهيئة ، وأمّا إذا فرض ، أن كلمة «طر» ، معناها ابتداء ، هو المدلول التصديقي ، وهو في المقام عبارة عن التعجيز ، فبحسب الحقيقة هنا التعجيز لا ربط له بمدلول المادة ،
__________________
(١) أجود التقريرات ـ الخوئي هامش ـ ص ٩٦.