الوجه الثالث : أن يفرض أنّ مفهوم زيد لم يحضر بسبب تصور مفهوم الإنسان نفسه ، ولا في طوله ، بل هو غائب مطلق عن أفق الذهن ، لكن مع هذا الواضع أصدر حكمه على شيء لم يحضر في أفق نفسه ، هذا أيضا أمر غير معقول ، لأن الحاكم حينما يصدر حكمه ، لا بد وأن يكون موضوع حكمه حاضرا في أفقه. وإذا بطل هذا الوجه الثالث ، تعيّن الوجه الرابع.
الوجه الرابع : إنّ الواضع أصدر حكمه على نفس الإنسان نفسه ـ الجامع ـ الذي تصوره ، إذن فيكون الوضع عاما ، والموضوع له عاما ، أيضا ، لأنه تصور العام ، وأصدر حكمه على الجامع العام.
إذن فحاصل هذا الإشكال ، هو : إن الواضع حينما يتصور الجامع :
فإن قيل : بأنه ينتقل من تصور الجامع إلى تصور زيد ، فهذا خلف ، لأن هذا معناه الوضع الخاص ، والموضوع له الخاص.
وإن قيل : إن مفهوم زيد ومفهوم الإنسان ، يحضران بحضور واحد ، وبشخص تصور واحد ، فهذا غير معقول لتباين المفهومين.
وإن قيل : أن مفهوم زيد غائب عنه بقول مطلق ، ومع هذا يصدر حكمه عليه ، فهذا أيضا غير معقول لأن الحاكم كيف يصدر حكمه غيابيا على شيء لم يتصوره؟.
وإن قيل : إنه يصدر حكمه على نفس ما تصوره ، وهو الجامع. إذن فقد صار الوضع عاما والموضوع له عام.
وعليه : لا يمكن تصور الوضع العام والموضوع له الخاص.
وفي مقام الجواب على هذا الإشكال ، نختار الوجه الرابع ، وهو : إن الواضع يتصور الجامع ويضع اللفظ له ، لكن مع هذا يصير الوضع من باب الوضع العام ، والموضوع له الخاص ، بمعنى أنه يصدر حكمه على العام ، لكن بحسب الحقيقة هذا الحكم يستقر على الخاص ، لا على العام ، وإن كان هذا