ومعنى الحرف ، على ما سوف يأتي توضيحه فيما بعد.
وإن قالوا : بأن هذا المعنى الواحد الذي هو مدلول (من) ، ومدلول (الابتداء) ليس هو الابتداء ، بل هو حاق النسبة بين السير و (البصرة).
قلنا : بأن هذا لا يعقل أن يكون مدلولا عليه بكلمة الابتداء ، لأنها تدل على مفهوم صالح للوجود الاستقلالي في الذهن ، وحاق النسبة لا يقبل الوجود الاستقلالي ، لأن تبعيتها ذاتية.
إذن ، فلا بد من القول بأن كلمة (الابتداء) موضوعة لمفهوم الابتداء وكلمة (من) موضوعة لحاق تلك النسبة ، وهذا معنى التغاير الذاتي بين معنى الإسم ومعنى الحرف ، وهذا الذي كان ينبغي أن يعترض به على مقالة صاحب (الكفاية).
وبهذا تم الكلام في الجهة الأولى من كلام صاحب (الكفاية) ، وهي : إن المعنى الاسمي والمعنى الحرفي واحد ذاتا ، وإنما الفرق بينهما عرضي طارئ ، وهو اللحاظ الآلي والاستقلالي ، وقد تبيّن بطلان هذه الجهة ، فلا يبقى موضوع للجهة الثانية من كلامه (قده) وهي : هل إنّ اللحاظ الآلي والاستقلالي مأخوذ قيدا في المعنى الموضوع له ، أو مأخوذا في نفس الوضع والعلقة الوضعية؟ فهذه الجهة الثانية صار موضوعها باطلا في نفسه ، إذن فلا موجب للتعرض إلى هذه الجهة الثانية ، من كلام صاحب الكفاية (قده).
المسلك الثالث ـ مسلك التباين :
المسلك الثالث : وهو المسلك المشهور بين المحققين المتأخرين الذي ذهب إليه المحقق النائيني (١) ، والأصفهاني (٢) ، والسيد الأستاذ (٣) وغيرهم (٤) ،
__________________
(١) فوائد الأصول ـ الكاظمي ج ١ ص ١٨ ـ ١٩.
(٢) نهاية الدراية ـ الأصفهاني ، ج ١ ص ٣٨ ـ ٣٩.
(٣) محاضرات فياض ج ١ ص ٧٠ ـ ٧١.
(٤) بدائع الأفكار ـ الآملي ، ج ١ ص ٥٦ ـ ٥٧.