يبقى في خالد بعد تجريده عن بياضه وعلمه وطوله ، وهذا هو معنى الحصص ، وهذه الحصص ينطبق عليها الجامع بتمامها لا محالة ، إذ لم يبق في الخارج سوى الإنسانية ، فلا محالة ينطبق جامع الإنسانية على هذه الحصص بتمامها فإذا كان ينطبق عليها بتمامها ، فيكون حاكيا عنها أيضا ، فيعقل أن يتصور الواضع ، الجامع ، ويضع اللفظ لهذه الحصص ، باعتبار كونها بتمامها محكيا عنها بالجامع ، حينئذ لما ذا لا يعقل الوضع العام والموضوع له الخاص؟. وهكذا يتضح أن النكتة الملحوظة في هذا الاعتراض غير وافية للبرهنة على الإبطال أصلا.
الاعتراض الثاني : إنّ العام والخاص ، يعني المفهوم العام كمفهوم الإنسان ، ومفهوم الخاص كمفهوم زيد ، وبكر ، وخالد ، هذان المفهومان ، وإن كانا موجودين بوجود واحد في الخارج ، لكنهما بما هما مفهومان في عالم الذهن ، وفي عالم المفهومية ، هما متباينان لا محالة.
وبناء عليه يقال في المقام : بأن الواضع إذا تصور الجامع ـ يعني الإنسان ـ وهو المفهوم الكلي ، حينئذ لا يعقل أن يضع اللفظ للأفراد ، وذلك لأنّ دعوى هذا لا يخلو من أحد وجوه بحسب الواقع :
الوجه الأول : إما أن يدّعي أنّ حضور الجامع وتصوره له ، صار حيثية تعليلية لتصوره للفرد ، يعني أنّ تصور مفهوم الإنسان صار سببا في انتقال الذهن إلى مفهوم خالد ، ومفهوم زيد ، هذا معنى الحيثية التعليلية. فإن أريد هذا المعنى فهو خارج عن محل الكلام ، لأن هذا يدخل في الوضع الخاص ، والموضوع له الخاص ، وهذا لا يحقق المقصود.
الوجه الثاني : أن يدّعى بأن مفهوم الإنسان ، ومفهوم زيد ، يوجدان بحضور واحد ، وبتصور واحد ، عند الإنسان ، بحيث أنّ الإنسان بتصور واحد يرى كلا المفهومين معا ، وهذا أمر غير معقول ، ببرهان أنّ مفهوم زيد ، ومفهوم الإنسان ، متباينان في عالم المفهومية ، فكيف يوجدان بحضور واحد وبتصور واحد في الذهن؟ إذن هذا الوجه الثاني غير متصوّر.