الإطلاق وضع لذات معناه ، ومع قيد انضمام الحرف إليه ، وضع للمعنى الخاص ـ كالسير المبدوء مثلا ـ.
فيكون الحرف عندئذ فاقدا لكل دلالة ، لأنه ليس إلّا قيدا في الوضع ، والدال واحد هو الإسم الذي انضم إليه الحرف ، فلا يكون هناك دالان ومدلولان ، بل دال واحد ، ومدلول واحد ، ويكون الأثر الفني لهذا الطراز من الدلالة ، عدم صحة تسليط التقييد والإطلاق إلى الحروف ومعانيها ، لأنها ليست دالة على معنى كي يبحث عن إمكان تقييده وعدمه. بل لا بد وأن ترجع القيود إلى الأسماء والمعاني الاسمية دائما ، وهذا مما يترتب عليه من نتائج ، على ما يظهر في الأبحاث المقبلة من مسائل الأصول.
إذن فلا تناقض ولا شبه تناقض بين الالتزام بعدم وجود مدلول ومعنى للحرف مع الاعتراف باختلاف معنى الكلام حين وقوع الحرف فيه من حيث الخصوصيات عن الكلام الفاقد للحرف.
والواقع إنّ هذا الطراز من التصور في دلالة الحروف ، لا برهان تام على بطلانه ، وإن كان الوجدان على خلافه بالبداهة اللغوية على ما سوف يتضح فيما يأتي.
المسلك الثاني ـ اتحاد معاني الحروف مع معاني الأسماء ذاتا :
هذا المسلك هو مختار صاحب الكفاية (١) (قدسسره) ، حيث ذهب إلى أن الحرف موضوع للمعنى نفسه الذي وضع له الإسم ، فالمعنى الاسمي والمعنى الحرفي متحدان ذاتا ، ولكنهما يختلفان في جهة عرضية ، وكلام صاحب (الكفاية) في تحقيق مسلكه هذا ينحل إلى جهتين :
الجهة الأولى : وهي أن المعنى الحرفي والمعنى الاسمي شيء واحد ، ولا يوجد فرق ذاتي بين معنى ـ من ، والابتداء ـ ، ومعنى ـ إلى ، والانتهاء ـ
__________________
(١) حقائق الأصول ـ ج ١ ـ ص ٢٢.