يبدو تناقضا في بادئ الأمر ، وهو أنه كيف يصدر الحكم على العام ، ويستقر على الخاص ، ولكن هذا هو واقع المطلب ، وتوضيح ذلك يكون ببيان مقدمتين :
المقدمة الأولى :
إنّ العناوين كل العناوين ، إذا لوحظت بالنظر التصوري ، وبالنظرة الأولية ، فهي واجدة لحيثياتها المقومة لها لا محالة. فمثلا : عنوان ـ الإنسان ، الممكن ، الواجب ، الكلي ، الجزئي ـ أي عنوان من العناوين التي تتصورها ، حينما ننظر إليه بالنظر التصوري وبالنظرة الأولية نراه واجدا لخصوصيته المقومة له ، فالكلي واجد للكلية ، والجزئي واجد للجزئية ، وهكذا بالنظر الأولى التصوري ، يستحيل أن نراه فاقدا لمقوماته بأن نقول : الإنسان ليس واجدا للإنسانية ، أو الكلي ليس بكلي ، لأن هذا تناقض ، واجتماع النقيضين مستحيل.
لكن بنظر ثانوي تصديقي تختلف العناوين ، فبعضها واجدة لحيثياتها ، وبعضها فاقدة لها وواجدة لضد حيثياتها ، مثال ذلك الجزئي ، والكلي ، فالجزئي والكلي بالنظر التصوري ، حينما نتصور الجزئي نكون قد تصورنا الجزئي ، فبهذا التصور نرى الجزئي جزئيا واجدا للحيثية. لكن حينما ننظر إلى الجزئي بنظرة ثانية ـ بنظر تصديقي ثانوي ـ نرى ، أن الجزئي هو بنفسه من المفاهيم الكلّية ، لا من المفاهيم الجزئية ، مفهوم الجزئي ليس من قبيل مفهوم خالد وزيد ، بل هو من قبيل مفهوم إنسان وحيوان ، مفهوم يقبل الصدق على كثيرين ، إذن فمفهوم الجزئي بالنظر التصوري الأولي ، نراه واجدا للجزئية ، لكن بالنظر التصديقي الثانوي نراه كليا فاقدا للجزئية ـ لأن هذا جزئي وهذا جزئي وهكذا ـ إذن فمفهوم الجزئي يحمل على كثيرين ، ويصدق على كثيرين ، فهو بالنظر التصديقي الحقيقي فاقدا لنفسه بالجزئية ، وإن كان بالنظر التصوري الأولي واجدا لنفسه ـ يعني للجزئية.
وفي مقابل ذلك عنوان الكلي ، مثلا : لو نظرنا إليه بالنظر التصوري