وكونه علة منحصرة ، اما كونه علة تامة فلأن المفروض أن الاطلاق افاد انه لو لم يتحقق شيء في العالم سوى نفس المجيء كان وجوب الاكرام مترتبا عليه ، وهذا لا يستقيم إلّا مع كون المجيء علة تامة ، دون كونه جزء اخيرا لها ، وإلّا لاحتاج الى تقدّم شيء آخر عليه ، واما كونه علة منحصرة فلأن الاطلاق ايضا افاد أنه لو تحقق ايّ شيء كان قبل المجيء كان الوجوب مترتبا على المجيء ، ولو لم يكن المجيء علة منحصرة وكان شيء آخر علة ايضا ففي صورة تقدم هذا الشيء على المجيء لم يكن الوجوب مترتبا على المجيء ، بل على هذا الشيء الآخر ، وقد فرض ان مفاد الاطلاق كونه مترتبا على المجيء ، وبذلك يتم المطلوب.
الوجه الثالث : هو التمسك بنحو الاطلاق المذكور في الشرط ، بمعنى أن قولك : «ان جاء زيد» معناه سواء تحقق شيء قبل مجيئه او معه او لا ، وهذا يفيد العلية التامة والانحصار ، بالبيان المتقدم.
والجواب عن هذين أنه ان بنينا على ان تعدد الاسباب في القضية الشرطية يقتضي تعدد المسببات فكما ان البول يوجب الوضوء فكذا النّوم يقتضي وجوب وضوء آخر فحينئذ لا اشكال في ان الاطلاق المذكور غير نافع ، فان مسبب كل سبب يرتبط بسببه دون سبب آخر ، ولو فرض تحقق السبب الآخر قبل سببه ، فهذا الاطلاق لا فائدة فيه لاخذ المفهوم ، واما ان بنينا في القضية الشرطية بان تعدد الاسباب لا يقتضى إلّا وجودا واحدا من المسبب ، او كان المسبب مما لا يقبل التكرار كما في قولك : «ان جاء زيد فاقتله» فان قلنا بان تعدد السبب يقتضي تعدد المسبب فنقول : يكفي في العلاقة فيما بين الشرط والجزاء ان يكون الاوّل صالحا لان يصير دخيلا في وجود الثاني بنحو العلة التامة او الجزء الاخير منها ، ولا يلزم ان يكون كذلك فعلا ، وبعبارة اخرى : المستفاد من القضية الشرطية ليس إلّا أن تالى الاداة له اقتضاء لوجود الجزاء ، واما أن الشيء الآخر ايضا يكون له هذا الاقتضاء او لا فليس فيه تعرض لذلك ، حتى يتصور له اطلاق.
نعم لو فرض ان المتكلم يكون بصدد حصر الاسباب كان لكلامه دلالة على انتفاء الجزاء عند انتفاء ما ذكره من الاسباب ، ولكن لا يعد هذا من دلالة القضية.
وهذا جواب واحد عن جميع وجوه التمسك بالاطلاق ، وحاصله ان المدّعى اثبات الدلالة لنفس القضية ، وعلى هذا يدور مدار وجود المقدمات وعدمها.
وهنا وجه رابع للتمسك بالاطلاق ، وهو ان السبب الواحد لا يحتاج الى ذكر العدل ، والمتعدد يحتاج ، فعند عدم الذكر يكون قضية المقدمات عدمه ، وبذلك بنينا على ان ما بعد الاداة هو السبب وحده وليس له بدل ، كما ان قضيّتها في الطلب هو الحمل على التعييني ،