احراز ان الشرط سبب منحصر او غيره ، مثلا قولك : «ان جاء زيد فاكرمه» ليس المراد به إلا أن الاكرام عقيب المجيء واجب ، وهذا شيء يفي به الكلام من دون حاجة الى مقدمات ، واما ان الاكرام يجب عقيب شيء آخر ايضا او لا يجب فهو مراد آخر غير مرتبط بالمراد الذي يقصد افادته بهذا الكلام ، فلا تجري المقدمات لاحرازه اصلا.
والحاصل ان قياس أداة الشرط بهيئة الامر قياس مع الفارق ، فان وجه الحمل هناك على الاكمل ليس إلّا لكونه من تتمة المراد بهذه القضية ، ومن جهة كونه اخفّ مئونة ، واما هنا فليس الحصر من تتمة المراد بالقضية ولا هو اخف مئونة من عدمه ، اما وجه الأخفية هناك فلأن الوجوب لا يحتاج الى مئونة اخرى غير نفس الارادة والطلب ، فان الطلب اذا خلّى وطبعه ولم يتقيد بشيء صار وجوبا ، وانما الندب يحتاج الى قيد زائد ، وهو ضم الترخيص في الترك الى الطلب ، وليس الفرق بين الندب والوجوب أن الاول ارادة ضعيفة ، والثاني ارادة شديدة ، حتى يكون الوجوب اشد مئونة ، ولهذا لا يتصور الاستحباب في الارادة الفاعلية مع تصور الشدة والضعف فيها ايضا ، وكذا النفسي اخف مئونة من الغيري ، فان الثاني توجيه الارادة مع لحاظ الغير ، والاول لا يحتاج الى لحاظ الغير ، مثلا ايجاب نصب السلم يحتاج الى لحاظ الكون على السطح ، واما ايجاب الكون فلا يحتاج الى لحاظ شيء سوى نفسه ، وكذا التعييني بالنسبة الى التخييري ، والعيني بالنسبة الى الكفائي ، فان الاوّلين لا يحتاجان إلّا الى توجه الطلب نحو الفعل الواحد والمكلف الواحد ، والاخيرين يحتاجان الى لحاظ العدل : اما للفعل او للمكلف ، مثلا توجيه الطلب نحو زيد يكفي في العينية ، واما الكفائية فتحتاج الى ضمّ «او عمرو» وأمّا وجه عدم الاخفية في الحصر في أداة الشرط فإن تأدية الاشتراط فيما اذا كان الشرط منحصرا ليس باخفّ مئونة مما اذا كان متعدّدا واريد ذكر احد الاسباب ، وهذا واضح ، بل كل من الامرين اعني الحصر والتعدد محتاج الى بيان زائد ، فقولك : ان جاء زيد فاكرمه ليس مفاده ازيد من كون المجيء سببا لوجوب الاكرام ، واما انه سبب منحصر او له مشارك في السببية فكل منهما محتاج الى بيان على حدة.
والوجه الثاني : من وجوه تقرير التمسك بالاطلاق ، هو التمسك باطلاق ترتب الجزاء على الشرط بمعنى أن قولك : «ان جاء زيد فاكرمه» مفاده أنه يترتب على المجيء وجوب الاكرام مطلقا ، سواء سبق المجيء شيء في الدنيا او قاربه ام لا ، والفرق بين هذا والوجه السابق لا يخفى ، فان السابق كان تمسكا بالاطلاق في معنى الارتباط بين الشرط والجزاء الذي كان مستفادا من الاداة ، وهذا تمسّك به في ترتيب الجزاء على الشرط مع قطع النظر عن حصول العلقة والربط فيما بينهما ، وبالجملة قضية الاطلاق المذكور امران : كون المقدم علة تامة للتالي ،